كل مدرسة وأنتم بخير

من أكثر الصور المتداولة على وسائل التواصل سخرية، تلك التي التقطت بقصد أو بدون قصد لأهال يودعون أولادهم إلى المدرسة في الصباح، بعد عطلة الصيف الطويلة. ويظهر فيها الآباء والأمهات هم يحتفلون كل على طريقته، ليس لبدء العام الدراسي الجميل المشرق، بل لأنهم وأخيرا سيحظون بمساحة مكانية وزمانية بدون إزعاج الأولاد!اضافة اعلان
أعتقد أن هذه الصور تعكس واقع أسرنا نحن أيضا، وإن كانت لا تشبهنا في بعض التفاصيل. لأن المطلع على وضع الأهالي في الصيف الحالي وماذا جرى لهم أثناء الإجازة، سواء ممن حظوا بفرصة السفر إلي الخارج، أو المرابطون في أزقة وشوارع و بيوت البلد الضيقة، سيخرج حتما بألبوم صور أكثر سخرية وكوميديا، باستثناء أهالي الأطفال الصغار جدا، والذين سوف يجربون وداع أولادهم للمرة الأولى على أبواب الصفوف، بصحبة موسيقى البكاء والعويل ومشاهد الجرى وراء أولياء الأمور، والارتماء علي الأرض!
وبغض النظر عن زفرات الارتياح وصفنات التأمل التي ستمارسها الأمهات خصوصا، بعد انقضاء عطلة الطلبات التي لا تنتهي والمشاكسات التي لا تهدأ، فإن في حضرة الهدوء الذي يسكن المكان المبعثر، بملابس نوم الصغار وأوراقهم الممزقة، وأحذيتهم المرمية تحت الأسرة  وخلف المقاعد، فإن للصمت ثقلا منغصا، فوق صدور الأهل يدعو إلى البكاء أحيانا، في تجل ممتع للشخصية العربية التي تحكمها المشاعر قبل أي شيء!
ثم يتجدد سؤال الخريف المبكر بخصوص الصغار كل عام؛ أن لماذا لا تشبه العطلة أيام المدرسة عندنا، بحيث يمكن أن يقضي الأطفال أوقاتهم ويوجهون طاقاتهم خارج جدران البيوت؟ ويلحق السؤال سؤال آخر متعلق بمجانية تحقيق المطلب الأول، بدون أن يتكلف الأهالي مبالغ وقدرها، كما نسمع ونرى ونجرب.
هذه الأسئلة وغيرها الكثير تترك هكذا في الهواء، بلا إجابة محددة ولا متابعة حثيثة لأنها تتقاطع مع علامات استفهام أكبر وأشمل تتعلق بالحقوق الإنسانية، أو بخدمات طبيعية من المفترض أن يجدها المواطن جاهزة طالما هو جاهز دائما لدفع حصته من الضرائب والضرائب المضافة. هذه الأسئلة هي التي تملأ فراغات الأحاديث حين تنقطع بين المجتمعين، وتسند بعض المقالات والتحقيقات الصحفية، عندما تعدم الوسيلة عن التعبير.
إنما الأيام تمشي، وتدور الفصول علينا وعلى أولادنا بالتي هي أحسن. نكتشف بعد انقضائها أن القلق الزائد والضغط النفسي المهول، المتعلق بحياة البنات والأولاد التعليمية والترفيهية، ما هي إلا فترة حكم تاريخية يدفعها الأهالي من حياتهم وأعصابهم وأموالهم، من أجل لحظة تخرج يعتقد الآباء أنها فسحة الانعتاق من المسؤولية العظمى، دون أن يدركوا أنها وفي كثير من الأسر والعائلات المحلية، لحظة تسليم راية القلق والخوف إلى الجيل الذي تقدم للتو!
هذا الأمر يسري فقط على العائلات التي يفرح أطفالها بالزي المدرسي الجديد وكأنه لبس العيد، ويمسحون بكفوفهم حتى اليوم على جلدة الكتاب اللامعة، ويرتبون بحرص زائد أقلامهم المبرية داخل محافظ هذا العام، ويستيقظون بعد الفجر ليبدأوا نهارهم مبكرين، ليلحقوا بباب المدرسة قبل أن يغلق على نعاسهم أو تلكئهم على الطريق مشيا.
أما الآخرون، المرتاحون في المدرسة والمرتاحون في الإجازة، لا يسري عليهم هذا العرض، لأنهم فوق مستوى الخوف والقلق والتفكير حتى. لكنهم للأسف الشديد محرومون من لحظات فرح و حزن حقيقية جدا، فطرية جدا، لا تشبه ملامحهم في صور الانستغرام والسناب المتكلفة.
عموما، كل عام ونحن كلنا بخير، ولو أن الصور لا تريد أن تتغير!