كل هذا التكتم؟!

هل يضمر رئيس الوزراء الأردني شرّا للأردن؟! هل يحبّ أن يرى الأردنيين أكثر تفتتا وانكفاء على ولاءاتهم وعصبياتهم العشائرية والفئوية؟! هل يكره التقدم الاجتماعي والتحديث والديمقراطية؟! أنا لا أعتقد أنه كذلك، وليس من سبب أبدا ليكون كذلك!

اضافة اعلان

لماذا، إذن، هو على وشك إخراج قانون للانتخاب يطيح بالأردن نصف قرن آخر إلى الوراء زيادة على ما أطاح به القانون الساري المفعول؟!

هذه واحدة من عجائب الحياة السياسية الأردنية! بعد عقد ونصف من السجال المرير حول قانون الانتخاب انتهينا إلى الإقرار بضرورة التغيير من أجل تدارك التراجع المتواتر في الحياة البرلمانية والسياسية والاجتماعية، وبعد هذا الإجماع على التغيير بل وحلّ البرلمان في منتصف ولايته لغاية إصدار قانون انتخاب "عصري"، فإن الرئيس يوشك أن يفاجئنا بمشروع قانون لا يحتوي سلبيات القانون القديم فحسب، بل يعمّقها إلى أقصى مدى يمكن تخيله؟! كيف نفسر ذلك؟!

لعل الرئيس لا يقصد أن يفعل كل هذا الشرّ؟! ولعلّه لا يفترض أن القانون بهذا السوء؟! وبالفعل فنحن ليس لدينا إطلاقا أي فكرة لماذا مال إلى هذا الخيار؟ ومن استشار؟ ولا أحد يستطيع أن يقول متى وأين وكيف نوقشت الخيارات! بل إننا لا نستطيع أن ندّعي أن هناك خيارا ما!

مشروع القانون لم يعرض رسميا في أي مكان بعد! لكن منذ شهر تقريبا تتسرب معلومات وقبل يومين ظهر تصريح على لسان الناطق الرسمي للحكومة يؤكد أن اللجنة الوزارية ستجتمع قريبا لإقرار الصيغة، وهو لم يقل ما هي الصيغة لكن "التسريبات" وقد باتت معلومات مؤكدة تقول إنها تقوم على مزيد من "التقسيم" فقط؛ تقسيم الدوائر التي بها أكثر من مقعد إلى دوائر بعدد المقاعد، لكن ليس تقسيما جغرافيا، بل "ديمغرافيا"، وهذه ثالثة الأثافي أي أن سكان الدوائر التي كان لها أكثر من مقعد سوف يتوزعون، بحسب رغبتهم وحيث ينزل مرشحهم على أي من الدوائر الفردية "النظرية" في المحافظة للمنافسة على المقعد الواحد.

طبعا القانون ليس فيه أي قيمة مضافة أو "إصلاح" بل فقط تعميق الانكفاء العشائري والفردية والمحليّة. والاقتراح يبتعد مسافة ضوئية جديدة عن التنمية السياسية والتشارك، وسوف نخصص حديثا آخر مفصّلا لبيان سلبيات القانون والثغرات العملية الكثيرة في تطبيقه. وكذلك سنتحدث عن الاقتراحات التي أهملت وكانت ستضيف عناصر توحيدية تربط الناس عبر الدوائر؟!

ربما لو أن الرئيس ومن شارك في إقرار الصيغة (من هم؟!) استمعوا وناقشوا مهتمين وخبراء وفاعليات مختلفة لكانوا وسّعوا مروحة خياراتهم. وقد كان هذا واجبا وضرورة. لكن ما حدث هو اعتماد أسوأ تقاليد التستر والانعزال في إدارة القرار، وهل يعقل أن قانون الانتخابات بالذات وهو عنوان المشاركة يطبخ بكل هذا التكتم!؟ إنها مأساة أردنية بامتياز.