"كما لا يحب أبي أن يراني".. حكايات أنثوية مفعمة بالجرأة

Untitled-1
Untitled-1

عزيزة علي

عمان- صدر للزميلة الإعلامية والقاصة رانية الجعبري مجموعة قصصية بعنوان "كما لا يحب أبي أن يراني"، عن دار نلسن، لبنان، حيث تقول في الإهداء: "إلى الظرف القاسي الذي عشته طوال خمس سنوات 2018-2013، إلى القهر والغربة والدمع والخيبة، وقد دستهم في نهاية الأمر وأكملت دربي".اضافة اعلان
الجعبري تؤكد في "تنويه لا بد منه" في بداية المجموعة، أنها بهذا العنوان لا تقصد والدها، إنما تقصد تاريخاً بأكمله، "لا أقصد في هذا العنوان أبي الذي اجتهد أن يربيني على قيم محافظة، لكن ذلك لم يمنعه، عندما كنت طفلة، من الضحك على موقف جريء أو ردّ جريء من ردودي، التي يراها كثيرون ليست بمكانها لأنني أنثى".
"الغد" التقت مع الجعبري وأجرت معها حواراً حول مشوارها مع كتابة القصة القصيرة، قائلة "بدأت تجربتي عندما كنت في الرابعة عشرة، كنت أقرأ لكتّاب القصة القصيرة، وكنت أعتقد لسنوات عدة، عندما أصبحت في مطلع العشرينيات، أن فن القص والرواية أمرهما سهل جداً، فهما مجرد قول ما لديك، ولكن في مراحل متقدمة بدأت أشعر أن الموضوع، ليس مجرد قول ما لديك، ولكن كانت المعضلة هي "في كيفية قول ما تريد قوله". وبدأت حينها كتابة مجموعتي القصصية الأولى "حكاوي بنت"، في العام 2010".
وتشير إلى أنها أثناء كتابة "حكاوي بنت"، "كنت تائهة بين القصة الحديثة والقصة التقليدية، لكنني كنت أريد أن أكتب، لأن تجربتي في الكتابة كانت في أحيان كثيرة أمراً ليس بيدي، إذ بدأت في طفولتي كتابة الشعر ولم أستمر به، وكنت إذا كتبت نصاً أتاني هو ولم أذهب إليه".
وتلفت إلى أنها لا تتخذ قراراً بكتابة أي قصة، لكن القصة هي التي تأتي وتصر عليها لأكتبها، فتشعر وكأن الكلمات حينها تنساب معها كما الموسيقا التي لا تستطيع الكتابة إلا برفقتها، وخلافاً لما سبق، لو جلست وقررت الكتابة وحاولت استدعاء الكلمات، فإن القصة تخرج من بين يديها مفتعلة وباردة، لذا "أذكر جيداً يوم ألحت عليّ الكلمات، وجدت نفسي أكتب قصص مجموعة "حكاوي بنت" حتى اكتملت، من دون أن أفكر إلا أنني أكتب وحسب".
تضم مجموعة "كما لا يحب أبي أن يراني"، قصصا وحكايات أنثوية مفعمة بالجرأة في طرح تفاصيل صغيرة في حياة الأنثى التي تخاف أن تبوح بهذه التفاصيل.
الجعبري ترى أن هذه الجرأة في المجموعة كانت "جرأة مدروسة"؛ فكل القصص بدأت معي في تواريخ وأوقات سابقة جداً لكتابتها، لأنني كما سبق وقلت، لا أتخذ قراراً بكتابة أي قصة، أتركها لتختمر في بالي وتقرر هي أن تُكتَب"، لافتة إلى أنها بدأت هذه القصص في تواريخ مختلفة، بعضها بدأ معها أثناء عملها في صحيفة "العرب اليوم"، في الفترة الممتدة بين 2012-2005، وعندما انتقلت من قسم الفنون إلى قسم المحليات في الصحيفة ذاتها، ثم تغطية أخبار قطاع المرأة، في تلك الفترة اكتفت بتغطية أخبار المنظمات النسائية، وتسعى لكتابة التقارير والتحقيقات من الأرض وعبر التواصل مع نساء من مختلف طبقات المجتمع.
وتضيف: "هذا الأمر ساعدني على بلورة وجهة نظر في قضية المرأة الأردنية، كما أنني قرأت كتاب د. سهير سلطي التل "مقدمات حول قضية المرأة"، وسعيت أيضاً للبحث عن قيادات نسائية أردنية، ممن كان لهن الأثر في تأسيس الجمعيات النسائية "الأصيلة"، وعبر مقابلاتي معهن تمكنت من صياغة رؤية لقضية المرأة الأردنية المستندة إلى قضايانا الوطنية، ورفضت مبدأ عزل قضية المرأة عن قضايا البلد والأمة العربية، واعتبارها مواجهة للرجل كما يحلو لكثير من المنظمات ترسيخه، وأعتبر أنه عندما تنتهك حقوق المرأة يكون كل من الرجل والمرأة ضحايا وليست المرأة فحسب"، لافتة النظر إلى أن السر فيما تكتب هو أنها "آمنت بقضية".
كتبت هذه المجموعة بلغة رشيقة وأنيقة تقدمها الجعبري للقارئ كوجبة خفيفة تسرد حكايات المرأة، وكإجابة لسؤال حول كيفية التقاطها لتفاصيل قصصها وصياغتها بهذه الرشاقة اللغوية، تقول "علمتني الصحافة أن أرى ما لا يراه الناس، وكان لمهنتي دور مهم في تهذيب وتطوير مهارة التقاط القصص من التفاصيل الدقيقة". وتتابع "في الصحافة تعلمنا أن نلتقط العناوين السياسية الكبيرة من كلمة لمسؤول، تبدو عابرة أمام الناس، وهذه الكلمة نبني عليها توقعاتنا التي غالباً ما تكون صحيحة".
وتبين الجعبري أن فن القصة القصيرة يقوم على التقاط التفاصيل وتهذيبها، والوصول إلى المفارقات، وقدمت مهنتها لها الكثير أثناء كتابة القصة، رغم أنها أورثتها الكلمات المباشرة والتي احتاجت زمنا للتخلص منها وهي تكتب القصة، ولعل ما أعانها على ذلك هو العودة إلى قراءة الشعر، وما ساعدها على الالتقاط أنها حرصت على النزول كل أسبوع الى وسط البلد تشاهد الناس وتحاول الانغماس في همومهم، لذا فإنها تميل كثيراً للتنقل عبر الباصات والسرافيس لتكون على تماس دائم مع هموم الناس، التي تعتقد أنها الصوت الحقيقي لما يجب أن يكتب، وتميل إلى عمّان الحقيقية بكل تفاصيلها التي تراها تزداد صدقاً كلما اتجهت نحو قلبها "وسط البلد وجبل عمان واللويبدة".
وعن التقنيات التي تكتب بها الجعبري، فإنها تلخص التقنية بالتقاط الأفكار والقصص التي تلح عليها لإخراجها على الورق، لافتة النظر إلى أنها منذ أن أصدرت مجموعتها الأولى في العام 2010 كانت معنية بتطوير أدواتها، وكانت تعلم جيداً أنها تسعى لتكسير القوالب وإنشاء قوالب جديدة، فهي لا تستطيع كسر القوالب قبل أن تتقن فن القص التقليدي، وقد تجذرت هذه القناعة التي اكتسبتها أثناء قراءتها في تاريخ الأدب العالمي والمدارس الأدبية، فوجدت أن الظروف الاقتصادية والسياسية كان لها أثر كبير في تشكيل الأدب ونقله من شكل لآخر منذ بدأ الإنسان ينتج فنون الأدب.
وتشير إلى أنها ورغم انتقادات الأصدقاء الحريصين على أن تكتب بروح العصر الذي تعيش فيه، كانت مستسلمة للعبتها مع الكلمات، تتركها وحدها حتى تأتيها وتلح عليها بالكتابة لتخرج القصة، مشيرة إلى أنها تؤمن بتكنيك القصة، وهو أن قصة العصر الحديث تختلف عن القصة الكلاسيكية، في كونها تتداخل مع الشعر بشكل أو بآخر، أو كما تقول: "لكننا عندما نلجأ للغة شاعرية في القصة لا نصوغها وفق وزن الشعر، لكن وفق إيقاع داخلي يأخذ القارئ معه ليرسم عوالم القصة في أعماقه أو مفارقاتها، فيكون هذا الإيقاع يداً تسحب القارئ إلى العالم الذي يريد الكاتب، ويبدأ القارئ حينها بملء فراغات مكان القصة وشخوصها وزمنها بما يناسبه ويرضي خياله".
ويذكر أن رانية الجعبري قاصة وكاتبة صدر لها مجموعتان قصصيتان هما "حكاوي بنت"، و"تحت سماء تشرين"، إضافة إلى كتابة القصة القصيرة تعمل مراسلة صحفية، وبدأت حياتها المهنية في صحيفة "العرب اليوم" الأردنية، واستمرت بعدها بالعمل كمراسلة في الإعلام العربي والعالمي. وأحيانا تترجم المقالات والدراسات من العبرية إلى العربية إذ تعلمت العبرية قبل ما يزيد على العشر سنوات. كما عملت في الإعلام المرئي لمدة سنة حيث قامت بإعداد وتقديم بعض الفيديوهات حول الحياة السياسية في الأردن.