"كمّل جميلك"

بعد انتهاء الاستفتاء على الدستور المصري الجديد الذي بات يتمتع بالشرعية في نظر طيف واسع من المصريين، يأتي دور الخطوة الحاسمة في خريطة الطريق؛ وهي إجراء انتخابات رئاسية، ما يشكل الحلقة الأصعب في العملية السياسية وسط انقسام سياسي واجتماعي غير مسبوق. وما يزيد من تعقيد الموقف المصري الراهن أن نتائج الاستفتاء لا تعمل حاليا على زيادة هذا الانقسام وحسب، بل تضيف المزيد من التعقيد بعدما منحت أنصار فكرة ترشيح الفريق أول عبد الفتاح السيسي للرئاسة المزيد من القوة والشعور بأن نتائج الاستفتاء هي استفتاء أولي على حق السيسي بالرئاسة. اضافة اعلان
 اسوأ ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في مصر أن  تنتقل السلطة إلى أيدي العسكر من جديد تحت مظلة الديمقراطية، وأن تستخدم الديمقراطية نفسها لإضفاء الشرعية على الإقصاء ومعاداة التعددية. لا يقصد بالأمر هنا الموقف من الإخوان المسلمين وأنصارهم، فهم أول من مارس لعبة الإقصاء واجتثاث الآخر، أي الشريك الديمقراطي المفترض، بل قدرة المجتمعات العربية على إنتاج نموذجها الديمقراطي.
المؤسسة الرسمية المصرية التي أكثر ما يمثلها هذه الأيام الدوائر الأمنية والأجهزة العسكرية، تذهب نحو تكرار لعبة جمع التواقيع وتصنيع الشرعية الشعبية في حملة يطلق عليها (كمل جميلك)، ويقصد بها دعوة الفريق أول عبد الفتاح السيسي للترشح للرئاسة، ويقال إن الحملة جمعت 25 مليون توقيع. ثمة محاولة سياسية يدعمها تعبئة إعلامية ودعائية هائلة، ويشارك فيها طيف ممن حسبوا على الكتلة الديمقراطية الوطنية المصرية من ليبراليين وقوميين ويسار اجتماعي ومستقلين وغيرهم؛ تعمل هذه المحاولة على تغذية فكرة أن الحل هو بتسليم العسكر السلطة تحت عباءة الديمقراطية وبفعل الصناديق.  يبدو ذلك في عملية تصنيع ممنهجة لرمزية القائد العسكري وتحويله الى منقذ وإضفاء كل صفات التبجيل وعبادة الشخصية عليه؛ ما يشكل انتكاسة تاريخية سياسيا وثقافيا. وإذا ما نجحت هذه الانتكاسة لن يدفع ثمنها المجتمع المصري بل كل المجتمعات العربية المجاورة أيضا. أمامنا عشرات الأمثلة من دول العالم؛ كيف أفسدت العسكرية السياسة وكيف أفسدت السياسة العسكر، ولطالما حدث ذلك تحت حجج وطنية وعلى سمع الاناشيد الحماسية؛ ألم نجرب في النصف الثاني من القرن العشرين نحو11 دولة تحت سيطرة أنظمة عسكرية لم تحصد الا الاستبداد والفساد. في تركيا سيطر العسكر على مفاصل الدولة لعقود طويلة ولم يورثوها إلا الإفلاس والفساد والصراعات، وفي كل مرة كان التدخل يأتي باسم حماية الدولة المدنية والديمقراطية. وفي تايلاند تدخل العسكريون فى السياسة بتعطيل الدستور أو حل البرلمان أو إقالة الحكومة ثماني عشرة مرة أي بمعدل تدخل عسكري كل أربع سنوات ونصف السنة ونعلم ما هي النتائج.
ما تزال أمام العسكرية المصرية فرصة ثمينة لصناعة التاريخ والتغيير؛ فهي أمام اختبار من نوع آخر لوطنيتها؛ بقدرتها على استعادة الديمقراطية، وأن تتحول مهمتها الحقيقية إلى حماية الديمقراطية وضمانها. وهو ما ستحسمه الأيام المقبلة، بالقدرة على اختزال المرحلة الانتقالية واختصارها، ومنع أي محاولة للإقصاء السياسي، أو تقييد حريات الأشخاص والتنظيمات ووسائل الإعلام والابتعاد تماما عن تحويل المؤسسة العسكرية الى سلم لتصعيد القيادات السياسية.
 أمام الفريق أول عبد الفتاح السيسي فرصة أيضا أن يكمل معروفه وجميله للشعب المصري، وأن يقف إلى جانب الرموز التاريخيين؛ إلى جانب أحمد عرابي وجمال عبد الناصر، إذا ما اكتفى بدور حماية الديمقراطية لا أن يركب فوقها.