كنداكة.. الفصل الثاني من الربيع العربي

لكل ثورة ايقونة، وايقونة الثورة السودانية كانت "آلاء صالح" فتاة المقطع الذي انتشر على وسائل التواصل وعبر وسائل الاعلام والفضائيات وهي على المنصّة بلباسها الوطني وشالها الأبيض تهتف "أنا جدي ترهاقا.. حبوبتي كنداكة " وجدها المقصود هو ملك أقدم الامبراطوريات والحضارات مملكة كوش النوبية قبل ثلاثة آلاف عام شمال السودان وجدها هذا حارب الآشوريين والفرس الغزاة وردهم عن أرض الفراعنة. وكنداكة هي الملكة، وهو لقب لكل ملكات النوبة وبينهن حاكمات وقائدات حربيات ظهرت رسوماتهن يلبسن الدروع ويتقلدن السيوف.اضافة اعلان
كان للنساء السودانيات أو الكنداكات كما اطلق عليهن صدارة مشهد الثورة مما عزز سلميتها وصدقيتها وشلّ قوى القمع. وانتخت ايقونة الثورة الشباب "الطلقة ما تحرق.. يحرق سكات الزول". وكان مهد الاحتجاجات القسم الداخلي لطالبات الجامعة ردت عليه السلطات بالقمع والاستدعاءات للأمن فاتسعت التظاهرات لبقية الجامعات والشوارع والمدن والتحقت بها القوى السياسية والنقابية ولم تعد قابلة للتوقف الا بتحقيق هدفها النهائي بإسقاط النظام ورئيسه المتربع على الكرسي منذ ثلاثين عاما.
كل مشاهد الثورة السودانية كانت رائعة ومعبرة وأحيت حبنا للسودانيين الطيبين. وقد سقط قتلى وجرحى في بعض المظاهرات لكن الشعب الذكي توجه الى القيادة العامة للجيش واعتصم هناك وظهر التآخي بين الجيش والشعب وكل القوى الأمنية التي عانت في الخفاء من الاجهزة الموازية المسلحة للحزب الحاكم صاحبة السلطة واليد العليا، وحين أعلن الجيش انه سيحمي الشعب وليس البشير لم يبق أمام الأخير الا ان يتنحى.
في صورة كان يقف في الصف الأول ستة زعماء عرب اربعة منهم اطاحهم الربيع العربي وبقي اثنان هما بوتفليقة والبشير أطاحتهم الثورة الآن. نعم الجزائر والسودان شكلتا الفصل الثاني من الربيع العربي ولحسن الحظ ان الثورة الجزائرية والسودانية تيسرت لها نفس طريق الثورة التونسية اذ تخلى الجيش عن دعم القائد ومحيطه الفاسد ووقف مع الشعب أو على الحياد. وكما لاحظنا فحالما يتخذ الجيش هذا القرار لا يصمد الرئيس المؤبد لساعات.
يا لسعادة الشعب الذي يكسب سلما ثمار ثورته وتضامنه وشجاعته. لقد رأينا ذلك في عيون الناس في الجزائر قبل ايام وفي الخرطوم أمس. فرحة النصر لقضية تسمو فوق كل ما هو أناني وفردي. والناس يخرجون ويتحلون بالشجاعة والعناد كما رأينا في كل مكان ويثقون بقضيتهم، لكن المأساة اذا تمكنت السلطة من زج الجيش في مواجهة الشعب. هنا تخلو الساحة الدامية من الجمهور الثائر ومن النوايا الطيبة ومن الحرص على البلد ويبقى مسلحون لا تدري اين تنتهي خطوط الامداد والتمويل لهم وبأي اجندات يخوضون المواجهات بعد إزاحة الشعب من موقع الفاعل المقرر الى موقع العاجز المتفرج.
نتفاءل بأن ثورتي السودان والجزائر بعد أن عبرتا عنق الزجاجة بنجاح، لن تشهدا اي انتكاسة تذهب بهما الى العنف خلال المرحلة الانتقالية وبهذا النجاح نسجل للفصل الثاني من الربيع العربي ولشعبي البلدين الشقيقين السودان والجزائر الانجاز العظيم بإعلاء كلمة الشعب وكرامته الوطنية. ونرجو الا نسمع من يقول ان كل ما رأيناه هو تنفيذ لسيناريو مرسوم ومخطط له في الغرب! فيكون النجاح اذن لهؤلاء الاسياد العباقرة ما وراء البحار وليس لشعبي السودان والجزائر؟! وإن في هذا لعمري مهانة أشدّ من المهانة الاصلية التي ثار الشعب ضدها وهي أن الرئيس وهو مقعد وعاجز كليا يفرض على الشعب انتخابه للمرة الخامسة! او الرئيس الذي حول بلاده الى دولة فاشلة وضيع نصفها يصرّ ان يستمر بعد ثلاثين عاما على كرسي السلطة!؟.