كهف لوط: معلم سياحي مميز يعاني ضعف الترويج

عمان- الغد- بينما يتنافس كهف النبي لوط عليه السلام الذي يقع جنوب شرق البحر الميت في منطقة الأغوار الجنوبية على مرتبة أقدم المواقع الأثرية في العالم، ينتظر الكهف الشاهد على أماكن المدن الضائعة ربطه مع جميع المواقع الأثرية في المنطقة لتشكل مع بعضها بانوراما تحكي قصة الزمان والمكان وتعيد لهذه المواقع حضورها على خريطة السياحة العالمية.اضافة اعلان
فهذا الكهف ذو القدسية الإسلامية والمسيحية لم يشهد الترويج اللازم والاهتمام الكافي من الجهات المسؤولة رغم افتتاحه رسميا أمام الحركة السياحية في السابع من نيسان(إبريل) العام 2002.
ويقع الكهف على سطح الجبل المطل على بلدة غور الصافي من الجهة الشرقية الشمالية للبلدة واستعمل لأول مرة في العصر البرونزي المبكر؛ حيث يعتقد الباحثون أن النبي لوط عاش فيه قبل أكثر من خمسة آلاف سنة.
ويتكون الكهف من كنيسة أرضياتها مرصوفة ومبلطة بقطع الفسيفساء تعلوها رسومات حيوانية ونباتية وأشكال هندسية متأثرة بالفن النبطي والعصر الإسلامي جميعها تحكي قصة حياة النبي لوط وقومه.
ويضم الكهف ديرا وكنيسة، ما يدل على قدسية المكان وتلاحم الروابط والعلاقات بين الإسلام والمسيحية على أرض الأردن منذ قديم الزمان.
وبالقرب من الكهف توجد بركة ماء كبيرة لتجميع مياه الأمطار من سفح الجبل المحيط بالكهف من خلال أقنية مكشوفة ومبلطة بالحجارة والمواد الكلسية لتوفير المياه للزوار القادمين من المناطق كافة للتبرك والعبادة.
ويستطيع الزائر لهذه البركة النزول والصعود إلى قاعها من خلال الدرج الحجري القديم الموجود على جانب البركة ومشاهدة مكان التعميد للمسيحيين الأوائل في ساحة الكهف.
وتم العثور على الكهف بناء على نتائج المسوحات الأثرية السابقة لمنطقة البحر الميت التي دللت على وجود ملامح وبقايا أثرية، فقد تقرر إجراء تنقيبات أثرية رسمية في الموقع.
وخلال أعمال التنقيبات، تم العثور على فجوة في الموقع، الأمر الذي دفع العمال بتاريخ 15/9/1991 الى الدخول في داخلها بهدف توسعتها؛ حيث اكتشفوا طوبا منحوتا بدقة يعود لسقف قبة، ومع الاستمرار في أعمال البحث والتنقيبات انتهى بهم الأمر الى اكتشاف كنيسة على شكل بازليكا ذات ثلاثة محاريب فوق الكهف، رصفت بالفسيفساء ذات زخرفة جميلة وعليها نقوش يونانية تعود للعصر البيزنطي؛ حيث كان الخط اليوناني هو الخط الرسمي في المنطقة.
ودللت النقوش المنحوتة الى عدد من المسؤولين الكبار في الكنيسة، ومطارنة وشمامسة، إضافة الى تواريخ البناء والترميم التي تعود الى العام 573 ميلادي، ونيسان (ابريل) 605 ميلادي، وأيار (مايو) من العام 691 ميلادي.
وأثناء التنقيبات العلمية وإزالة الطمم من الكهف، تم الكشف عن غرفة صغيرة مرصوفة ببلاط رخامي أبيض ذي جودة عالية، بالاضافة الى مئات الأسرجة الفخارية والزجاجية؛ حيث أشارت جميع الأدلة إلى أن هذا المكان كان من أكثر الأجزاء المقدسة في الكنيسة، الا أنه تم في النهاية اكتشاف ثلاثة نقوش حجرية عرفت المكان على أنه دير النبي لوط عليه السلام، وهو ما أكدته خريطة مادبا الفيسفسائية المشهورة التي تضمن بداخلها تصوير الموقع في القرن السادس الميلادي.
ومن خلال هذه الاكتشافات، فإنه من الواضح أن المسيحيين الأوائل كانوا يعتقدون بأنه كهف النبي لوط عليه السلام، مما دعاهم الى اقامة الكنيسة أمامه.
اضافة الى ذلك، ومن خلال التنقيب في أرضية الكهف، تم العثور على قطع أثرية تعود الى العصر البرونزي يحتمل أنها جلبت قديما من موقع يعود الى الألفية الثالثة قبل الميلاد ووضعت هناك عن قصد لربطها بقصة مدينتي سدوم وعمورة كما وردت في التوراة لإضافة صبغة القداسة على المكان.
وترجع فكرة إقامة المتحف؛ في منطقة الأغوار الجنوبية؛ إلى تسعينيات القرن الماضي من قبل دائرة الآثار العامة بالتعاون مع د. كوستانتينوس بوليتسفي في العام 1996 وذلك أثناء إدارته لمشروع حفريات موقع دير عين عباطة (كهف النبي لوط عليه السلام) الذي ارتبط بقصة النبي لوط عليه السلام؛ إذ تم إلاعلان عن الموقع كمكان ديني ذي قداسة العام 1995.
وفضلا عن أهميته كمكان ديني وأهميته التاريخية، فإن موقعه على مستوى 300م تحت مستوى سطح البحر يجعله نموذجيا لإنشاء المتحف.
وقامت الوزارة بتسليمه لدائرة الآثار العامة لتشغيله كون الدائرة مؤهلة لإدارة وتشغيل المتاحف الأثرية في المملكة.
وتم تشغيله بشكل متطور بما يسمح لأبناء المجتمع المحلي في المنطقة الاستفادة منه من خلال تقديم الخدمات والمنتوجات الخاصة بهم.
ويروي المتحف الكيفية التي تم اكتشاف كهف النبي لوط عليه السلام وعين عباطة، التي تعرف بدير النبي لوط عليه السلام، كما يروي تفاصيل حياة ومعيشة سكان أخفض بقعة على الأرض وما اشتهروا به من إنتاج وصناعات وزخارف.
كما ويروي تفاصيل الاستقرار البشري في منطقة الأغوار الجنوبية في فترة العصر البرونزي الوسيط قبل حوالي 3500 عام، اضافة الى حضارة الأنباط العربية التي وصل حكمها الى ساحل البحر الميت، وصولا الى فترة الفتوحات الإسلامية التي قامت الحضارة الإسلامية في حينها بالاهتمام بالموقع.
ونظرا لأهمية الموقع الدينية؛ فإنه يشهد إقبالا متزايدا من قبل السياح من مختلف دول العالم كون التاريخ الذي سيمثله ينال اهتمام شريحة كبيرة من السكان خاصة قصة البني لوط، كما وأنه يجاور الكهف مما يتيح للسائح عيش التجربة والقصة التاريخية للموقع والمنطقة.
ولهذا المتحف مسار خاص تم ربطه سياحيا بالمسارات المجاورة في مسار بانوراما البحر الميت أو العقبة؛ حيث يتيح للسائح زيارة المتحف والكهف ومن ثم التوجه الى باقي المواقع السياحية والدينية الجنوبية القريبة مثل موقع المغطس والبحر الميت والبترا ووادي رم والعقبة.