كورنيش الروشة وضفاف شارع الأردن!

 العشقُ في بيروت مشيٌ على خيط ماء طويل يُبلل أطراف "الكورنيش"، وكلامٌ هامسٌ، السكرُ بقلبه، منه وبه؛ كلام مبتسر لا توطئة تطيلُ الشرحَ، وتعيقُ الذراع عن تطويق الخصر الطيِّع، وشؤون صغيرة يتم استراقها علنا في سيارات خفيفة المعدن تقضم أطراف الطريق لتزيد من عرض وريد الكورنيش، وتمنح عصفورا جديدا فرصة السقوط "بين صخور الروشة"!

اضافة اعلان

والعشاقُ في بيروت لهم أسباب، بسيطة التركيب، في الحب، فـ "جان" يُمعنُ في العبث بقميص "كارلا" الخفيف، و"علي" ينشغلُ، رغم جلوسه المتهوِّر على صخرة متعبة، برفع الإشارب الأسود إلى تحت الشفة السفلى لـ "فاطمة"، أما "محمد" فيفرد كفه في حيز قليل المعنى بين ركبته الراعشة، وركبة "سلمى" المسبوكة في جينز ضيق يعلوه قميص واضح الملامح لا يسترها حجاب شديد التعلق بالهواء!

وللعشاق هناك تواطؤ مفهوم؛ فـ "جان" لم يُجادل "كارلا" في صوتها البريء الذي منحته، بحكم التوجه العائلي العام إلى "حزب الكتائب"، رغم شهادته المجروحة بصواب الـ "ORANGE" ومذاقه السياسي الحامض!

و"علي" غَفَرَ لـ "فاطمة" وأهلها رحيلهم المريب من "الضاحية" إلى "الطريق الجديدة"، و"محمد" كذلك تفهم سريعا آراء "سلمى" غير الواعية لمخاطر "الثلث المعطل" إنْ تمَّ منحه للأقلية الشرسة، بدلالة السابع من أيّار!

..يتفهمون لأن هواء "الكورنيش" رطب ولا يحتمل الإطالة في الشرح، والتعرق ينبغي أن تكون له مبررات أكثر نفعا من مشاورات، لا تشاورهم، في تشكيل حكومة "البلد ماشيي من دونا"!

و"الكورنيش" رغم قصره يستوعبُ عاملة آسيوية تعطي الباقي من يومها الشاق إلى شاب بائس الخيارات، ورجال يذرعونه ذهابا وإيابا قبل أن يهتدوا إلى خط لا سلكي واحد يقودهم إلى "بغداد"، وغرباء يفضحهم التفاتهم النهِم بحثا عن متعة طارئة..، ولاجئ "بيروت خيمته الأخيرة" يحدق ويسأل نفسه حين لا يرى وجهه في الماء:"عمَّ تبحث يا فتى في زورق الأوديسة المكسور"..، ولا تأتي التأشيرة إلى بلد أوروبي بارد!

وأنا عاشق من الأردن اسمي الحقيقي "خلف"، وأحيانا "زهدي"، وفي قليل من الأحيان يكون "جريس"، أتوق إلى مشي على خيط ماء حين أقرر إغواء امرأة لها عدة أسماء واضحة الدلالات، أشرح لها آلية تسعير المحروقات الشهرية، وأحاول أن أبدو مقنعا، ثم أقدم تفسيراتي الخاصة لظاهرة العنف العشائري، وأطمئن "ختام" أو "ميرنا" في قليل من الأحيان، أنني لن أستدعي تعزيزات عائلية بعيدة القرابة في خلافاتنا الأسرية المقبلة!

سأعدد أسباب خسارة الوحدات الأخيرة من الفيصلي، وحبيبتي ستبتسم بلؤم حين أحيل بعض تلك الأسباب إلى أن صافرة الحكم كانت "نيرانا صديقة" أصابت شباكنا، وسننتهي بالمحصلة أن الرياضة هنا "أخضر أو أزرق" و"الكأس" يدور.. بالدور!

لي طقوس شديدة الغرابة في الحب؛ أمضي بسيارتي الكورية إلى "شارع الأردن"، أركنها على الرصيف الرملي الشاسع كضفاف مظلل بشجر متعدد الغايات، وأخرجُ "عدة" الأرجيلة ومقاعد بلاستيكية لأصدقاء يأتون تباعا، يرمون أوجاعهم على الطاولة مع أوراق الشدة؛ و"الولد" رابح، و"البنت" أقل ربحا، و"الشيخ" يأكل الجميع، والنزاع على اللعب الورقي ينتهي إلى بكاء مُرٍّ على "بنات" دائما رابحات في لعبة الحب!

في طريق العودة توقفني دورية تحقيق مروري تتأكد من ملكيتي لسيارة لا أملكها، ثم أواصل المشي على الإسفلت بحذر شديد..، فعلي أن أعود سالما إلى المنزل وأنام باكرا لأنني غدا سأحب "ختام" أو "ميرنا"، استنادا إلى وعد شفهي سمعته في بريدي الصوتي في الهاتف المحمول، وسأغفر لها أن أهلها نقلوا تسجيلهم في الانتخابات إلى الدائرة التي ينتمي إليها النائب التاجر..، وأن أمها ما تزال "عريقة" في الفلاحة، وتنطق القاف كافا رقيقة!

..ونغفرُ كلنا لأن "الحياة ماشيي من دونا"!

[email protected]