"كورونا".. الريادة ليست حكرا على قطاع تكنولوجيا المعلومات

Untitled-1-80
Untitled-1-80

ابراهيم المبيضين

عمان - أبرزت أزمة الكورونا التي يعيشها العالم اليوم اهمية وضرورة التكنولوجيا والانترنت في حياة الناس ولكل القطاعات الاقتصادية عندما اثبتت بأنها ممكن رئيسي للناس ولتسيير جميع الاعمال.. جميعنا شهدنا تطويع وضرورة التكنولوجيا في المجال الصحي وللعمل عن بعد وللتعلم عن بعد وغيرها من المفاهيم.
منذ ان شهدنا "فورة" المشاريع الريادية في الاردن من اكثر من عشر سنوات- رغم ان الريادة قديمة في الاردن وتعود جذورها لأواخر ثمانينات القرن الماضي – كان هناك تركيز في أفكار ومشاريع الشباب الريادي على التطبيقات الذكية والتكنولوجيا (أي أن يصنف المشروع مشروعا تقنيا او شركة ناشئة تصنف في قطاع التكنولوجيا او ضمن قطاع التطبيقات الذكية) وكان هناك انطباع بأن الافكار إن لم تكن "تقنية" فهي ليست ريادية ولن تصل الى سدة النجاح وهذا انطباع خاطئ، فالخروج بفكرة في قطاع الحرف اليدوية والغذاء والزراعة والتعاملات الحكومية مثلا –وحتى ان لم تستخدم هذه الفكرة التكنولوجيا– قد يكون اكثر نجاحا من فكرة مشروع ريادي تقني بشكل صرف.
خلال السنوات الماضية كان هناك نقص في الافكار التي تدور في افلاك قطاعات: الزراعة، الصحة، التعليم، الصناعات الابداعية والتصميم والحرف اليدوية، اللوجيستيات والنقل، القطاع الحكومي وكانت الحصة الاكبر للافكار التي ظهرت ونالت الدعم خلال هذه الفترة في الاردن للمشاريع والافكار التقنية.
مؤسس شركة ”أبل” ستيف جوبز –الذي رحل عن العالم قبل سنوات تاركا خلفه إرثا تقنيا ضخما– كان يقول دائما : ”إنّ عملك يحتل جزءا كبيرا من حياتك، والسبيل الوحيد لتكون راضيا حقا هو أن تفعل ما تعتقد أنّه عمل عظيم، فالطريقة الوحيدة للقيام بعمل عظيم هو أن تحب ماتفعله، وإذا لم تجد بعد ماتحبه فواصل البحث، ولا تستسلم”.
وكأنّ ستيف جوبز – وهو مفجّر ثورة الهواتف الذكية حول العالم – يريد القول بأنّ ريادة الأعمال هي: ان إنجاز العمل في اي قطاع يتطلّب ان تكون على علاقة حب بهذا العمل، عندها سيكون هذا العمل مؤثرا وسيحدث فرقا في حياة الناس، وأعتقد ان هذا الفكر ينطبق على كل الاعمال في كل القطاعات حتى على القطاع الحكومي …! نعم، فالموظف الحكومي يمكن ان يكون رياديا في عمله اذا ما أحبه وطوّره ، وحسّن فيه، وأحدث فرقا في حياة الناس.
مقولة ” جوبز” –وهو أشهر ريادي الاعمال في العالم الرقمي– تعمّم فكرة الريادة وثقافتها على كل القطاعات، في وقت نشهد فيه منذ سنوات – على المستويين المحلي والعربي– هجمة واقبالا شديدا من قبل الشباب، ودون التفكير احيانا، على الريادة وتأسيس الاعمال في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فهو القطاع الاقل كلفة والاكثر استخداما من قبل الناس والاكثر فرصا في تحقيق الثراء ، لدرجة ان البعض استسهل فكرة الريادة وحصرها في هذا القطاع.
والأمر لا يتوقف على الشباب ممن يسعون لتأسيس مشاريعهم الخاصة وتحسين واقعهم الاقتصادي، فالجهات الداعمة وحاضنات الاعمال والاعلام سلّطت الضوء كثيرا على الريادة في تقنية المعلومات، ولم تلتفت بالشكل المطلوب لرياديين ناجحين في قطاعات أخرى، وكأن الريادة والنجاح يقتصران على المشاريع التقنية.
التكنولوجيا هي ممكن لكل القطاعات الاقتصادية ولا أحد ينكر اهميتها لتسيير امور الحياة وهو ما أظهرته ازمة الكورونا بشكل لافت، عندما طبقنا مفاهيم التباعد الجسدي ومفاهيم العمل عن بعد والتعليم عن بعد والدفع الالكتروني، والمشاريع الريادية التقنية هي مهمة جدا ولكننا نحتاج منذ سنوات واليوم الى مشاريع ريادية تحاكي وتعالج مشاكل في قطاعات اخرى مثل الامن الغذائي والزراعة والصحة والتعاملات بين الناس، والتعامل بين الحكومة والناس، ان يكون صلب الفكرة في هذه القطاعات ولا ضير في ان تكون التكنولوجيا وادواتها ممكنة لهذه الافكار في هذه القطاعات وهذا ضروري جدا.
ثمة أسباب قدّمت قطاع تقنية المعلومات خلال السنوات العشر الماضية حول العالم وفي المنطقة العربية على انه النموذج الافضل للريادة، لعلّ اهمها انخفاض كلف انشاء المشاريع والتقنية واعتمادها على العنصر البشري والفكرة اكثر من الاصول المادية، والطفرة التي تشهدها استخدامات خدمات الاتصالات في العالم، ومئات قصص النجاح في هذا القطاع والتي حفزت الشباب على الريادة في هذا المجال، ومنها على سبيل المثال لا الحصر صفقة شراء ”فيسبوك” لتطبيق ”واتس اب” بصفقة بلغت 22 مليار دولار، بعد خمس سنوات فقط على انطلاقة التطبيق الناشئ.
كما أن تعدّد حاضنات الاعمال والجهات الداعمة للمشاريع الناشئة في المنطقة كان سببا في تحفيز الشباب على الريادة في هذا القطاع، حيث يتجاوز عدد الجهات التي تعمل مع رياديين في المنطة 140 مؤسسة تركز معظمها على الريادة في تقنية المعلومات، وفي الاردن يزيد عدد البرامج الداعمة لريادة الاعمال عن الـ200 برنامج معظمها تركز على الريادة في تقنية المعلومات.
ولكن تجدر الاشارة هنا الى خطوات مهمة قامت عليها عدة جهات لتوجيه الانظار الى الريادة في قطاعات اخرى مثل قيام صندوق "اويسس 500" بتصميم مسار لدعم المشاريع الناشئة في الصناعات الابداعية، وقيام شركة زين بتصميم حاضنة داعمة للمشاريع في مضمار التصميم، وانطلاقة حاضنة ومسرعة اعمال متخصصة في مضمار الزراعة هي مسرعة حصاد التي ساهمت بإطلاقها شركة المجموعة المتكاملة للتكنولوجيا واحدة من الشركات الاردنية التي انتقلت في 30 سنة من شركة محلية الى شركة تعمل في اسواق عربية وعالمية.
هذه ليست دعوة للعزوف عن التفكير في تأسيس مشاريع في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، أو دعوة لتقليص الدعم المقدّم لرياديي هذا القطاع، ولكنها دعوة للجميع للشباب، للجهات الداعمة وحاضنات الاعمال، المستثمرين والبنوك وصناديق الاستثمار، والإعلام للتفكير والعمل ومعاملة الريادة في قطاعات التجارة، الحرف اليدوية، الطاقة، النقل، الصناعات الابداعية، وغيرها بنفس القدر الذي نهتم فيه برياديي تكنولوجيا المعلومات.

اضافة اعلان