كورونا.. "تعطل المحاكم" يهدر حقوق الناس

شِفاء القضاة *

عمان- ترى المحامية إيناس زايد أنَّ أثر تعطل عمل المحاكم للحدّ من انتشار فيروس كوفيد- 19 سيمتد للسنوات المُقبلة ولن يقتصر على الوقت الراهن، إذ سينعكس توقف عملها خلال آذار ونيسان الماضيين على المماطلة في البتّ بالقضايا عبر تكرار تأجيل الجلسات، بالإضافة لما ستشهده المحاكم من اكتظاظ نتيجة القضايا الناشئة عن أزمة كورونا.اضافة اعلان
"العديد من الأشخاص يعتقدون أن الوضع سيعود لسابق عهده بعد انقضاء الأزمة، من واقع عملي كمحاميّة أقول إنه لن يعود"، هكذا تلخص زايد حال قِطاعِ العدالة بعدَ شهرينِ من تعطُّلِ المحاكم الشرعية والنظامية والكنسية منذ إعلان قانون الدِفاعِ، مبينة أن نوعيَّةَ القضايا ستختَلِفُ بعد الحظر لكن عددها سيزداد، وتعتبر زايد أن المواطنين باتوا بحاجة لتوضيحات بشأن الإجراءات في ظل عمل المحاكم بالحدّ الأدني، وفقاً لقرر المجلس القضائي، في السادس والعشرين من نيسان الماضي، وسيتركز عملها على النظر في الطلبات المستعجلة التي لا تحتمل التأخير، والدعاوى الجزائية للموقوفين واستقبال الطعون، ما يستدعي تقديم التوضيحات اللازمة للمواطنين الذين ينتظرون البتّ في قضاياهم، قائلة إن "ظهور وزير العدلِ على الشاشةِ لا يقلُ أهميَّةً عن ظهور وزير الصِحة".
وتبين تضرر المواطنين من تعطل القضاء من خلال حالة التاجر الذي أغلَقَ محلَّهُ إبان الأزمة، وهوَ مجبرٌ على دَفعِ الإيجار، رغم أنَّ القانون المدني يقضي بأنه غير ملزم بالدفع وتسقط عنه أجور هذه المدة إذا كان التعطيل من قِبل السُّلطات، بالتالي فالعديد من الأشخاصِ لن يقوموا بدَفع الإيجار ما يضر بمصالح المالكين الذينَ ينتظرونَ الدَفعَ لتسديدِ التزاماتهم أيضاً، ولا بدّ أن يجري توضيح هذه الإشكاليّة وغيرها من قبل وزارة العدل.
كيف أضر توقف المحاكم بالمواطنين؟
تسبب تعطيل سير العدالة خلال فترة الحظر الشامل بتعطيل الكثير من القضايا وخاصة أولئك الموقوفين دون أن يتمكن أي محامٍ من الوصول لهم، بالإضافة إلى النساء اللواتي حرمن من النفقة بسبب تحديات قانونية وإجرائية، كما توضح مديرة مركز العدل للمساعدة القانونيّة هديل عبدالعزيز، حيث حرمت العديد منهن قبل أيام قليلة من قرار تعطيل المؤسسات العامة والخاصة من تسجيل وطرح الأحكام الخاصة بالنفقات في دوائر الإجراء، الأمر الذي ترتب عليه حرمانهن من أداء النفقة المستحقة والذي يكون من تاريخ إقامة الدعوى. بحسب ورقة موقف صادرة عن جمعية معهد تضامن النساء الأردني في التاسع من أيار الجاري، حول قضايا الأحوال الشخصية في ظل جائحة كورونا وما بعدها.
ويتضح تأثير تعطيل المحاكم من خلال قضيّة الصحفي البنغالي سليم عكاش، الذي تم توقيفه من قبل المدعي العام في 14 - نيسان لمشاركته في بداية الشهر نفسه تقريرًا تلفزيونيًا على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" يتطرق إلى الصعوبات التي يواجهها العديد من العمال البنغاليين في الأردن أثناء الإغلاق بسبب الفيروس، ثم أُخلي سبيله وتمت إعادته للمحافظ الذي أمَر بإبعاده، وسيبقى عكاش رهن التوقيف الإداري لحين تنفيذ قرار الإبعاد، ولم يتمكن الأخير من اللجوء للقضاء لإلغاء الإبعاد، كما لم يُمنح حقه بوجودِ محامٍ معه أثناء التحقيق، وما يزال موقوفاً حتى هذا اليوم، بحسب منظمات دولية.
ويؤكد المستشار القانوني في منظمة (محامون بلا حدود)، معاذ المومني أنَّ المسَّ بضمانات المُحاكمة العادلة تأثرَ بشكلٍ واضح خلال الأزمة، مؤكداً أن الكثير من القضايا المتعلقةِ بخرق قانون الدفاعِ بشكلٍ خاص، قد أحيل الأشخاص المدانين بها إلى القضاء دونَ وجودِ محامٍ لتمثيلهم.
وعن عودة مكاتب المحامين للعمل، تقول عبدالعزيز إنها لا تعني عودة العدالة وإنما هي تحضيرٌ لها، وفتحها يُساعدُ المُحامينَ على ترتيب أوراقهم وتوقيعِ وكالاتهم، لكنها خطوةٌ غير كافيةٍ وناقصة، كما تصفها، لأن المحاكمات تحتاجُ للمحامين، وتوافقها زايد فيما ذهبت إليه بالقول أن عدم تشغيل المحاكم وإعادة العمل فيها لن يحل المشكلة، فالمحامي يعتمد بشكل أساسي على الإجراءات التي يقوم بها في المكاتب والوزارات، وفي حال كانت مغلقة سيقتصر العمل على الاستشارات فقط، والتي من الممكن أن تتم عبر الهاتف.
ضمان الحق في المحاكمة العادلة
يعدّ ضمان الحق في المحاكمة العادلة من القواعد التي لا يمكن تقييدها، وتشمل تلك القواعد التي أقرتها لجنة حقوق الإنسان التابعة للمركز الأوروبي للحقوق الدستوريّة وحقوق الإنسان (ECCHR) في برلين، مبدأ أن الشَخص بريء حتى تثبت إدانته، وحق الاستعانة بمحامٍ، وعدم رجعيّة القانون، إذ تؤكد المديرة التنفيذية لمجموعة القانون لحقوق الإنسان (ميزان)، إيفا أبو حلاوة، أن فرض القيود على الحريات في ظل حالة الطوارئ التي بدأت في السابع عشر من آذار الماضي، يجب أن يستثنى منها تقييد بعض الحقوق الواردةِ في العهدِ الدوليِّ لحقوق الإنسان، والذي صادقَ الأردنُ عليه، وأبرزها الحق في المحاكمة العادلة.
وتبدي أبو حلاوة قلقها من تأثر السير في قضايا الجنايات الكُبرى، والأحداث، والعُنف الأُسري، والقضايا العماليّة العالقة منذُ بدايَّةِ الأزمة، لدى توقف العمل مرة أخرى خلال العطلة القضائية التي تمنح للمحامين بحسب قانون استقلال القضاء وتعديلاته رقم 15 للسنة 2001، ومن المقرر أن تبدأ في تموز المقبل، وتمتد لشهرين، ما يؤدي إلى تراكم القضايا، وإطالة أمد النزاع، وزيادة العبء على القاضي من حيث ارتفاع عدد الجلسات في اليوم الواحد.
وتعتبر المحاميَّةُ نور الإمام أنَّ المسؤوليَّة المهنية للمُحامين تتطلب منهم إعادة النظر في العطلة القضائيّة، والعمل خلالها للتعويض عن التعطل الحاصِلَ نتيجة حالة الطوارئ للتعامل مع فيروس كوفيد -19، قائِلةً "نحن بحاجةٍ للعمل منعاً لإهدار حقوق الناس، لأننا حُرَّاس للعدالة كمحامين، وكما طالبنا بالعودة للمهنة فعلينا مسؤوليّة ضمان حقوق الناس"، وهذا السبب الذي يقف خلف مطلب إعادة النظر بالعطلةِ لصون مصالح المواطنين الذين يمثلهم المحامون.
وتوضحُ الإمام أن الأزمة أظهرت أهمية وجود الإجراءت السريعة لضمان العدالة، خاصةً في ضوء طول مدة التعطلِ عن العمل، وتوقف القضاء الشرعيّ بشكلٍ خاص لفترةٍ طويلةٍ، ما أدى لضياع حقوق العديد من النساء، فتوقف مرفق القضاء عطَّل الكثير من حقوق الإنسان التي كفِّلها الدستور الأردنيّ، مؤكدة أهمية وجود إجراءاتٍ أسرع للمحاكم حين ترجع لعملها الكامل.
من جانبه يقول نقيب المُحامينَ مازن ارشيدات إن حسم القرار بشأن العطلة القضائيّة والترتيب لهُ سيجري بالتنسيقِ بين النقابةِ ووزارة العدل والمجلس القضائي، إذ سيقومُ الأخيرُ بوضعِ آليةٍ للتعامُلِ مع القضايا المُتراكمةِ خِلال الأزمة أيضاً.
المحاكمة عن بُعد
يرى ارشيدات أنه يصعب عودة المحاكم للعمل بشكل كامل في حال عدم توفر شروط السلامة العامة فيها، وخاصة أنها من أكثر الأماكن التي يحدث فيها تجمعات، نظرًا لاكتظاظها بالمُراجعين والمُحامين والقُضاة، ومن الأفضل عودتها تدريجيًا للعملِ استناداً لتوصيات لجنة الأوبئة ومنظمة الصحة العالميّة، مشيراً إلى أن العديد من الإشكاليات حدثت وستحدث بين أصحاب العمل والعمال، وبين المالكين والمستأجرين، وقانونيّة أوامر الدِفاع والطعن بها أمام المحكمة الإداريّة، والتعويضات، ما يجعل من الضروري وجود إشارات قانونيّة تتعلق بآلية عودة القطاع لعمله.
ويبينُ النقيبُ أنَّ المحامين يسعون لإيجاد حُلولٍ للقضايا التي يتابعونها خلال الأزمة مثل إجراء المُحاكمة عن بُعد، مؤكدًا أنه لن يكون هناك أي ضغطٍ وتراكم للقضايا في السنوات المُقبلة إذا جرى العمل بترتيب ونِظام.
هذا ما توضحه عبد العزيز بقولها أن الأزمة أظهرت حاجة المملكة لاستجابة أعلى خلال الأزمات، فانتشار الفيروس سارعَ بتفعيلِ عمليّة المحاكمات عن بُعد، رغم ما واجهته الفكرة من مقاومة قبل ذلك، كما سلط الضوء على ضرورةِ تطوير المنظومة التشريعيّة والتقنيّة لتفعيل المُحاكمات عن بعد، مع عدم إغفال بعض الضمانات مثل حق المُحامي في مُناقشة الشهود أو حق الشخص أن يمثل أمام القاضي.
ونشرت لجنة تسيير قطاع العدالة استراتيجيَّةً لكيفية تعامل القطاع خلال الحظر وبعده، وبعد انتهاء الأزمة، كان من أبرزها التوسع في استخدام تقنيّة المحاكمة عن بعد مع عرض آليّة عملها، وكيفيّة دفع رسوم الوكالات، ومثول المتهمين أمام الهيئة الحاكمة وتبليغ لائحة الاتهام، وأوصت بتشكيل فريق لإدارة الأزمة في المحكمة مع الأخذ بإجراءات السلامة وإعطاء الأولويّة للقضايا التي يوجد فيها موقوفون بمراكز الإصلاح والتأهيل وقضايا الأحداث على سبيل المثال، فيما عرضت الخدمات الإكترونية التي تقدمها وزارة العدل.

*بدعم من منظمة صحافيون من أجل حقوق الإنسان JHR