كورونا.. هل بدل من أولوياتنا؟

لكل واحد منا قصة مختلفة بدأ يدونها في عقله منذ انتشار وباء كورونا، وفرضه الإيقاف الإجباري على حياتنا، فحينما أبعدنا عن تفاصيلنا، بدأنا باختبار تجربة جديدة، لم تكن سهلة، لكننا اكتشفنا معها نواحي جديدة في دواخلنا ومحيطنا لم نكن ندركها من قبل! اضافة اعلان
حينما دق ذلك الفيروس الشرس باب العالم، غير من كل تفاصيله، ومجرياته، وروتينه، اخترق حياتنا وبدل كل ما فيها، وحرمنا من أبسط الأمور التي اعتدنا عليها يوما.
هي تجربة جديدة، ما نزال نختبرها بأوجاعها وخوفها ومتاعبها ومستقبلها المجهول، لا ندرك ما ينتظرنا غدا، وأين سنكون نحن وهل ستعود الحياة كما كانت عليه أم نعيش مرحلة جديدة سنتعرف عليها لأول مرة.
في كل يوم نعيشه بالحظر الإلزامي، تتزايد تساؤلاتنا، وتترك معظمنا أسرى لها، تشبه في صورتها الاختبار المفاجئ والأسئلة غير المتوقعة التي يصعب الإجابة عنها من دون تحضير أو استعداد، لكنه استطاع أن يحدد أولوياتنا من جديد.
وسط كل ذلك الظلام الذي نعيشه، كان هنالك جانب مضيء لم نره من قبل، لم نعرفه، أولويات لم نكن نلمسها؛ إذ كنا مأخوذين في حياة نجهل كثيرا من تفاصيلها ولا نلتفت لمعظم ملامحها.
أولويات قدّر لها أن تصيغ لنا مسار حياتنا من جديد، تفتح أعيننا على تفاصيل حولتها الغشاوة التي وضعت على أعيننا، بأن ظنناها تثقل كاهلنا، لا بل أنها مصدر أتعابنا النفسية.. فهل بتنا اليوم على وعي بأننا ظلمنا أنفسنا ولم نقدر جيدا النعم التي كانت تحيط بنا.
ولو أردنا أن نعدد هذه الجوانب لما استطعنا أن نحصيها، فمثلا العلاقات الإنسانية من أشخاص لم نكن متيقنين من أهمية وجودهم في حياتنا، لكن حينما ابتعدنا وابتعدوا بسبب ظروف طارئة غيرت المسار كاملا؛ بدأنا ندرك أهمية تفاصيلهم معنا.
في دائرتنا الصغيرة، ازدادت العلاقات متانة، وعاد مفهوم العائلة الى صورته الحميمية، اجتماعات دائمة اعتقدنا أنها فرضت علينا، لنكتشف حجم حاجتنا اليها، ولندرك معاني كثيرة من الوحدة الى العزلة، وما معنى أن يقضي الإنسان يومه بين 4 جدران وحيدا في سجن مفتوح، فهل هذه كانت رسالة السماء للأبناء لإعادة النظر في علاقتهم مع الآباء؟
بالرغم من سوداوية المشهد الذي فرضه الفيروس اللعين، إلا أن القيم الإنسانية قد حظيت بجزء كبير من تفكيرنا؛ الشعور باللحمة مع الآخر، والتسامح والتغاضي عن صغائر الأمور، فرغم التباعد الاجتماعي، إلا أن القرب من الآخر والإحساس به قد ازداد وتضاعف.
نمط الحياة الجديد الذي فرض علينا السير على الأقدام لقضاء احتياجاتنا من الحي الذي نقطنه، خلق أيضا علاقة جديدة بيننا وبين المكان، فأصبحنا أكثر قربا من أناس لم نكن ندرك وجودهم، لكننا اليوم بتنا أقرب لهذه التفاصيل وعلى علاقة بصرية وعاطفية مع محيطنا بتفاصيله كافة.
هي أفكار تأخذنا معها، وتراودنا من حين إلى آخر، أهمها الشعور بالحنين لحقبة ما قبل كورونا والتخطيط لتجاوز كثير من الأشياء في حقبة ما بعد كورونا، وكيف نستثمر أيامنا ونقضي الأوقات مع من نحب ونعبر له عن أهمية وجوده دائما وأبدا في حياتنا.
لا بد أن نخرج بدروس جديدة علمتنا إياها هذه التجربة، وندرك أن حياتنا قصيرة، لا ينبغي أن تمر مرور الكرام، لأن ما يذهب لن يعود، وما كان يحزننا ويثقل علينا من يوم لآخر، ربما كان مصدر سعادتنا وبهجتنا.
نعم أفقدنا فيروس كورونا أشياء لا تعوض، وغير من حياة ربما لن تعود إلى سابق عهدها.. لكنه لم يفقدنا إنسانيتنا، بل بدل من أولوياتنا ونحن نفكر بعقلية الجماعة لا الفرد!