كورونا والديون ومجموعة العشرين

أحمد عوض تجديد دعوة مجموعة العشرين الأسبوع الماضي بتعليق دفع خدمات الديون الخارجية على الدول الفقيرة، يعيد الى الواجهة مسألة الديون التي تهدد مستقبل الاقتصاد العالمي قبل دخول أزمة فيروس كورونا المستجد في بداية العام الجاري والتي عمقت مخاطر هذه المسألة. وصل حجم الدين العام على المستوى العالمي في نهاية العام 2019 ما يقارب 253 ترليون دولار، مشكلا ما نسبته 322 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو الذي كان آنذاك يشكل قنبلة موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي وخاصة اقتصادات الدول الفقيرة والمتوسطة الدخل. ومع توسع عمليات الإقراض منذ بداية العام الجاري 2020 بسبب تفاقم التداعيات المالية على موازنات الغالبية الكبيرة من اقتصاديات الدول، الناجمة عن التداعيات الاقتصادية لانتشار فيروس كورونا المستجد. وقد تجاوزت زيادة الديون خلال النصف الأول من العام الجاري 2020 خمسة ترليونات دولار، مرشحة للزيادة أكثر في ضوء التوقعات المتشائمة التي أصدرها صندوق النقد الدولي مؤخراً، والتي أكدت أن الاقتصاد العالمي مقبل على أسوأ انكماش اقتصادي منذ أزمة الانكماش الكبير الذي ضرب العالم في بداية العقد الثالث من القرن الماضي. ويبدو أن العالم أصبح غارقا في الديون، وخاصة الديون الخارجية العائدة للحكومات والمؤسسات المصرفية والمالية الدولية، وقد وصل الى مستويات من العبء الذي لا تستطيع أن تفي به غالبية الدول المدينة، وخاصة الفقيرة والمتوسطة الدخل والعديد من الدول الأخرى خارج هذا التصنيف. آثار تفاقم الدين العام عالميا لا تقتصر على عجز أعداد كبيرة من الحكومات عن تسديد الالتزامات المترتبة عليها، بل تتسع لتشمل أن تسديد هذه الديون وفوائدها تكون دائما على حساب الانفاق الحكومي العام على الحمايات والرعايات الاجتماعية من صحة وتعليم وتشغيل وغيرها من الحمايات الاجتماعيات الأخرى. وهذا سيؤدي بالضرورة، الى أن الحدود الدنيا من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للغالبية الكبيرة من مواطني هذه الدول معرضة للتراجع، وهذا ما حصل وما زال يحصل في الغالبية الكبيرة من الدول المدينة. حيث تركزت وتتركز اهتمامات حكومات هذه الدول - بتشجيع من المؤسسات المالية الدولية - على تخفيف عجوزات موازناتها، فيكون الطريق السهل تخفيض الانفاق الاجتماعي وزيادة معدلات الضرائب غير المباشرة – غير العادلة، وبالتالي يتفاقم التفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية. وأمام هذه الدائرة من الأزمات التي تولد أزمات أكثر عمقا وصعوبة، بات مطلوبا من الدول العشرين الكبرى، والدول والمؤسسات المالية الدولية الدائنة، أن تقوم بإلغاء الديون عن مختلف الدول الدائنة، سواء كان تصنيفها دولا فقيرة أو متوسطة الدخل، وحتى الدول الأخرى خارج هذه التصنيفات. هذا النوع من التفكير، وهذه المطالبات لا تعد تغريدا خارج المنطق، بل هي المنطق عينه، أن يتم انقاذ هذه الدول وشعوبها من أعباء وتبعات هذه الديون، وخاصة أن هذه المطالبات موجهة الى دول ومؤسسات دولية دائنة، وغير موجهة الى مؤسسات مملوكة للقطاع الخاص، وهي قادرة على فعل ذلك، إن أرادت مساعدة هذه الدول المدينة على حد زعمها. ويبدو أن الشعار الذي لطالما يعتبره الكثيرون في العالم غير واقعي، والمتمثل بإلغاء الديون الخارجية على الدول التي تعاني اقتصاداتها تحديات عميقة ومزمنة، يمكن أن يكون المطلب الأكثر واقعية، وهو الذي من شأنه التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية العالمية ويخفف من حدة الفقر المتنامي بشكل غير مسبوق. ونحن في الأردن حيث تجاوزت مستويات الدين العام أكثر من 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، سنكون من الدول التي يمكن لها أن تستفيد من الحراك العالمي الذي بدأ يتوسع ويشمل العديد من الدول والمنظمات النقابية العالمية ومنظمات المجتمع المدني، الأمر الذي لو نجح - حتى نسبيا- أن ينعكس ايجابا على مختلف مؤشرات الاقتصاد الوطني.اضافة اعلان