"كورونا" يصنع المشاكل لتركيا في الشرق الأوسط

ديميتار بيشيف – (أحوال تركية) 12/4/2020

مع ارتفاع عدد الإصابات والوفيات، تشهد تركيا مسبقاً صراعاً ضارياً مع فيروس كورونا، وتشهد في نفس الوقت تصاعد الأزمات والعواقب السياسية. وقد أدت الاستقالة غير المتوقعة لوزير الداخلية، سليمان صويلو، بعد عملية فرض حظر تجول فاشلة في اللحظة الأخيرة أدت إلى اندفاع الآلاف إلى المتاجر المزدحمة، إلى إثارة موجة من التكهنات بشأن الأحداث الجارية في ذروة هذه السلطة. لكن فيروس كورونا لن يؤثر فقط على السياسة الداخلية في تركيا، وإنما سيؤثر حتماً على سياستها الخارجية أيضًا.
قد تكافح تركيا من أجل احتواء العدوى، لكن جيرانها في الشرق الأوسط هم في وضع أكثر عرضة للخطر، حيث يهدد الفيروس بإلحاق خسائر بشرية فادحة، وإتلاف الاقتصادات الهشة مسبقاً، وإثارة السخط الاجتماعي، وتوليد المزيد من الصراع وعدم الاستقرار بالقرب من حدود تركيا. ولا شك في أن آثار هذه الضربات القاسية ستكون محسوسة داخل الدولة التركية.
تعتبر قضية سورية مثالاً على ذلك. ففي محافظة إدلب الشمالية الغربية، حيث يوجد ثلاثة ملايين شخص محاصرين في أماكن قريبة، تعرضت المرافق الطبية لأضرار جسيمة، وتم تدميرها في القصف المنهجي من قبل نظام الرئيس السوري بشار الأسد والقوات الجوية الروسية. وقد حد ذلك من القدرة على تنفيذ تدابير الصحة العامة، وخاصة في المخيمات التي تؤوي مئات الآلاف من النازحين في الداخل. وتشير التقارير إلى وجود جهاز واحد فقط يمكنه إجراء اختبارات "كورونا" في الجيب الذي يسيطر عليه المتمردون.
وفي المناطق التي يسيطر عليها الأسد، فرضت السلطات حظر التجول، وأغلقت الشركات، وألغت الرحلات الجوية. ومع ذلك، قد لا تكون هذه السياسات فعالة أيضًا، نظرًا للفساد المستوطن الذي ازداد انتشاره في السنوات الأخيرة بسبب الحرب. ولذلك لا يمكن أخذ العدد القليل من الحالات المبلغ عنها، 29 حتى 15 نيسان (أبريل)، بما في ذلك خمس حالات وفاة، على محمل الجد.
وكان من الممكن أيضاً أن تساعد الروابط الوثيقة مع إيران، التي شهدت تفشيًا مبكرًا لفيروس كورونا في البلاد، على انتشار الفيروس على نطاق أوسع قبل أسابيع. وسيكون للفشل في احتواء الفيروس تأثير كبير بحيث يعمل، على سبيل المثال، على تقويض شبكات الأمان الاجتماعي البدائية الموجودة. كما يبدو أن الحكومة غير قادرة على إبقاء أسعار المواد الغذائية منخفضة في ظل ارتفاع أسعار القمح في كل من المناطق التي يديرها النظام والمناطق الشمالية الشرقية التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية الكردية.
وبالمثل، يجد جار تركيا الآخر، العراق، نفسه في موقف صعب. حيث ترك تراجع أسعار النفط البلاد تترنح على حافة الإفلاس. وما يزال مقعد رئاسة الوزراء شاغراً بعد استقالة عادل عبد المهدي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وتشهد السياسة العراقية انقساماً أكبر من أي وقت مضى والأحزاب المتناحرة غير قادرة على التوصل إلى حل وسط. وبالإضافة إلى ذلك، ما يزال السخط الموجه ضد المؤسسة السياسية قائماً، حتى لو كان المتظاهرون يقبعون في منازلهم بسبب الفيروس.
تزيد أنشطة القوى الأجنبية من سوء الوضع في العراق. حيث شهد الشهر الماضي هجمات شنتها ميليشيا "كتائب حزب الله" المدعومة من إيران ضد القوات الأميركية، والتي أثارت بدورها عمليات انتقامية. كما يمكن بسهولة تصعيد الصراع الذي أثاره اغتيال الجنرال قاسم سليماني. وهذا سوف يلعب بالتأكيد لصالح تنظيم "داعش" الذي يحاول إعادة بناء قواته بعد انهيار خلافته المعلنة ذاتياً. وقد يؤدي الخلل السياسي في بغداد، إلى جانب وجود أزمة اقتصادية، وتفشي فيروس كورونا وتزايد العنف، إلى دفع حكومة إقليم كردستان إلى تجديد محاولتها للاستقلال، والتي تم تعليقها بعد النتائج العكسية لاستفتاء أيلول (سبتمبر) 2017. وستؤدي عودة تنظيم "داعش" إلى تقوية يد حكومة إقليم كردستان في واشنطن كما فعلت في المرة الماضية.
لا يعتبر غياب الاستقرار في جوار تركيا المباشر أخباراً جيدة بالنسبة لتركيا، حتى لو بدت سياستها فعالة في الوقت الحالي. وما تزال صفقة إدلب التي أبرمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في موسكو في 5 آذار (مارس) قائمة. وفي ليبيا، تحقق حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا في طرابلس المكاسب ضد قوات خليفة حفتر المتمركزة في الشرق.
لكن الأزمة الكبرى في العراق تشكل تحدياً مختلفاً لتركيا. وستواجه تركيا، التي تصارع فيروس كورونا في الداخل، صعوبة في إصدار أي رد فعل. وبالمثل، فإن تسونامي "كوفيد 19" في سورية سيسلط الضوء على أداء الحكومة التركية. فهي تدير فعليًا أجزاء من شمال البلاد، مع دخول إدلب في نطاق سلطتها أيضًا، بفضل الانتشار العسكري التركي الكبير هناك.
إذن هل ستدير أنقرة ظهرها وتترك السوريين؟ أم أنها ستتدخل وتتحمل المسؤولية، حتى لو أقلق ذلك مواطنيها الذين يشعرون بالتجاهل لأن موارد البلاد النادرة مسبقاً يتم إنفاقها في الخارج؟
لم يضرب فيروس كورونا منطقة الشرق الأوسط بقوة بعد، ولكن بمجرد أن يحدث ذلك، يمكن أن تكون العواقب طويلة المدىً. وبالإشارة إلى الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يتوقع بعض المحللين حدوث الاضطرابات التي تذكرنا بالثورات العربية للعام 2011. وفي ذلك الوقت، كان لدى تركيا أسباب قوية تمكّنها من رؤية نفسها كمستفيد من التغييرات. لكن ذلك ربما لن يكون واقع الحال الآن.

اضافة اعلان

*عضو في مركز يورواسيا ضمن مجلس الأطلسي، متخصص بالشأن الروسي والتركي.