كوّة في جدار الإحباط

قد تكون "المزايا الخدماتية" التي أقرّتها الحكومة لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين، ممنوحة، في واقع الأمر، لأعداد كبيرة من غير الأردنيين، بخاصة من اللاجئين العرب، أو حتى الأجانب. إذ نجد، مثلاً، الحق في التعليم والتأمين الصحي الحكومي متاحين لجنسيات عديدة، وكذلك مزايا التملك والرخصة الخصوصية؛ وحتى فرص العمل التي لن نجد فرقاً يذكر بشأنها، إذ إنّ سوق العمل مفتوحة على مصراعيها لكل الجاليات، ولا يوجد ضبط حقيقي لها.اضافة اعلان
بالرغم من ذلك، فإنّ هذه الخطوة مهمة في أنّها تقنن هذه "المزايا" (في جوهرها حقوق مدنية واقتصادية)، وتردّ شيئاً من الاعتبار الرمزي للأردنيات بوصفهن مواطنات لهن حقوق دستورية مثل الذكور، كما تخفف من الضغوط التي يعاني منها أبناؤهن في الحياة اليومية.
هو، بالفعل، إنجاز مهم يسجّل لحكومة د. عبدالله النسور، كما يسجّل بالدرجة نفسها للمبادرة النيابية التي تبنّت هذه المطالب، وقاتلت من أجل إقرارها، بالرغم من وجود "لوبي" نيابي وتيار محافظ كانا يصوّران هذا الأمر بوصفه تخليّاً عن "الهوية الوطنية"، وحارباه بكل طاقاتهما، حتى ضغطا على الحكومة للتراجع عن كلمة "حقوق" واستبدالها بـ"مزايا" للأسف الشديد.
الثمرة الحقيقية تكمن في التطبيق وتعاون مؤسسات الدولة ووزاراتها المختلفة لتسهيل تكريس هذه المزايا وترجمتها على أرض الواقع؛ بألاّ تتم عرقلتها وفرملتها وإفراغها من مضمونها في التنفيذ. فالمطلوب أن يلمس أبناء الأردنيات فرقاً كبيراً حقيقياً على الأرض، في تعامل مؤسسات الدولة معهم، وفي تسهيل إجراء معاملاتهم؛ وأن يلمسوا تغيراً نوعياً بعد أن تأخذ هذه الحقوق مدياتها القانونية والإدارية والتنفيذية. فهذا هو الاختراق المطلوب الذي يمكن أن نحدثه، فنخفف من الضغوط الاقتصادية والسياسية على هذه الشريحة من المواطنات وأبنائهن.
التركيز، هنا، على التطبيق، لأنّ المعاناة الحقيقية لدى هذه الشريحة، وحتى شريحة الأردنيين ذوي البطاقات الخضراء الذين يتمتعون بحق الإقامة، كانت في أحيان كثيرة في المعاملة البيروقراطية، والإرهاق في تجديد الوثائق التي تثبّت هذه الحقوق لهم، فضلاً عن المزاجية التي تطغى في أحيانٍ كثيرة على تعامل الموظفين وقراراتهم تجاه هذه الشريحة الواسعة.
من المؤمّل، أيضاً، أن نقرأ منح هذه "الحقوق" في سياق إدراك الدولة بأنّ "الجبهة الداخلية أولا" وقبل كل شيء؛ وأنّ حمايتها لا تكون إلاّ عبر الإصلاح المتكامل، وتخفيف الضغوط بأشكالها المختلفة عن المواطنين والمواطنات، والتخلص من أيّ مشاعر بالتهميش أو الإقصاء أو غياب العدالة. فمثل هذه الخطوة (بانتظار تطبيقها) لها مردود إيجابي جيّد وعميق على نسبة كبيرة من الأردنيين، سواء على الصعيد المعنوي، وهو مهم، أو حتى الصعيد اليومي الواقعي.
من المشروع أن نتفاءل بأن تكون هذه الخطوة مقرونة بولادة قناعة جديدة لدى الدولة بأهمية استئناف عملية الإصلاح ودفعها خطوات نوعية للأمام، بعد أن هيمنت نظرة التيار المحافظ خلال الفترة الماضية على المنظور السياسي؛ سواء ما يتعلق بقانون الانتخاب أو الحريات العامة، نتيجة الظروف الإقليمية التي قلبت هي نفسها الطاولة على دعاية هذا التيار، عبر تأكيدها بأنّ جوهر حصانة أي دولة ومجتمع من الانهيار يكمن في صلابة الجبهة الداخلية وتماسكها وتوافقاتها.
على العموم، من الضروري طالما أن قانون الانتخاب قد أصبح جاهزاً، وطُبخ -كما يتسرب- بلمسات إصلاحية تتجاوز مبدأ "الصوت الواحد" (سيئ الذكر)، ألا يتم تأخيره أو ترحيله، بأي ذريعةٍ كانت؛ وأن يدرك السادة النواب أنّ إقرار هذا القانون والتحضير للانتخابات النيابية المقبلة في موعدها، هما بمثابة خطوة مهمة وأساسية لمواجهة الأزمات الداخلية الأخيرة.