كيفية التغلب على الآثار السلبية للرحلة اليومية الطويلة إلى العمل

المسافة الآخذة في الاتساع بين مكان العمل ومكان السكن يمكن أن تؤدي إلى الإرهاق - (أرشيفية)
المسافة الآخذة في الاتساع بين مكان العمل ومكان السكن يمكن أن تؤدي إلى الإرهاق - (أرشيفية)

لندن- هل تكره رحلتك اليومية إلى العمل؟ هذا يعني أنك تقضي رحلتك تلك بطريقة خاطئة.
يقول ليت غيتلي، مؤلف كتاب "ساعة الذروة: كيف يمضي 500 مليون مسافر رحلتهم اليومية إلى العمل؟": "السفر مجهد، والإجهاد هو سبب كل أنواع الآثار الجانبية على الصحة. أعتقد أن الكثيرين منا يطغى عليهم هذا الشعور بالعجز أثناء السفر، لأننا ننحشر في أحد القطارات، أو ندخل وسط الزحام المروري الذي لا نملك تغييره".اضافة اعلان
لكن لماذا يكون السفر بالضرورة شيئاً سيئاً؟ تشير الدراسات إلى أن المسافة الآخذة في الاتساع بين مكان العمل ومكان السكن يمكن أن تؤدي إلى الإرهاق، وعادات النوم المتقطع، والعزلة الاجتماعية، وحتى إلى المشاكل العاطفية لأطفالنا.
وهناك تحليل نشره "المرصد الأميركي لكيفية استغلال الوقت" يلقي الضوء على مزيد من الآثار السلبية لمن يعيشون في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن "كل دقيقة يتم قضاؤها في السفر مرتبطة بنقص ما مقداره 0.0257 من الدقيقة من وقت ممارسة الرياضة، وما مقداره 0.0387 من الدقيقة من وقت إعداد الطعام، وما مقداره 0.2205 من وقت النوم".
لهذا، على سبيل المثال، فإن من يسافر لمدة 15 ساعة في الأسبوع لمدة 50 أسبوعاً؛ أي على مدار عام كامل، يفقد نصف ساعة من نومه يومياً.
إلا أن بحثاً أحدث يقول إن السفر إلى العمل يشكل فترة عازلة مهمة بين حياة البيت وحياة العمل. بالطبع، هناك مشكلة تمنعنا من الانتفاع من فوائد السفر، ألا وهي نحن. هل من المحتمل أننا لا نستفيد من وقت السفر بالطريقة التي يجب أن تكون؟
وقام فريق دولي من الباحثين بإجراء اختبار على 225 موظفا في شركة إعلامية كبرى في لندن في وقت سابق من هذا العام، وتوصل إلى أنه كلما طالت المسافة التي يقطعها الموظف بين العمل والبيت، كان الموظف أقل سعادة، وأقل ارتياحاً من الناحية النفسية تجاه عمله.
غير أن تلك العلاقة السلبية بين السفر والرضا عن العمل لا وجود لها لدى أولئك الذين لديهم قدرة كبيرة على ضبط النفس.
وأظهر مزيد من الدراسات أنه من الأرجح أن ينشغل هؤلاء بنشاط هادف في طريقهم إلى العمل.
كما يقول جون جاخيموفيتش، طالب الدكتوراه في كلية إدارة الأعمال في نيويورك، والمشارك في كتابة بحث بعنوان "السفر وفق خطة"، إن المقصود بذلك هو ببساطة أن التخطيط الذهني المسبق خلال وقت السفر يحدث فرقاً كبيراً.
فالذين يتمتعون بمستوى عال من ضبط بالنفس ربما يسألون أنفسهم كل صباح أسئلة من قبيل: ما الذي أحتاج للقيام به اليوم؟ كيف يتلاءم ذلك مع ما ينبغي أن أفعله هذا الأسبوع؟ وهل ينعكس ذلك إيجابياً على أهدافي التي أحرص عليها في حياتي المهنية؟
من يقومون بذلك، حسب الدراسة، لدقائق عدة صباح كل يوم لدى بدء رحلة الذهاب إلى العمل، يكونون أكثر استعداداً للانتقال النفسي في الحال من دورهم المنزلي (كأب أو أم أو ربة منزل) إلى دورهم في العمل (كمسؤول، أو مساعد، أو زميل)، وهو ما يعني في النهاية شعوراً أقل بالإجهاد والتوتر.
ويجد الذين لا يقودون سياراتهم إلى العمل وقتاً للقراءة والرد على البريد الالكتروني، لكن الانعزال والطريقة غير الاجتماعية التي نتصرف بها خلال رحلاتنا اليومية في وسائل المواصلات قد تكون ضارة. وتوصلت شركة "كندا للإحصاء"، على سبيل المثال، إلى أن السفر باستخدام المواصلات العامة يستغرق وقتا أطول بنسبة 81 في المائة عن السفر باستخدام السيارة الخاصة.
أضف إلى ذلك، التوتر والضغط الذي ينتج عن السفر مع مجموعة من الناس في أجواء مكتظة ومزدحمة.
ويقول غيتلي في كتابه "ساعة الذروة": "إننا مراراً وتكراراً نسافر في ظروف تعد غير إنسانية، وخاصة في مدن مثل طوكيو، وبكين، وموسكو؛ حيث تعد المواصلات العامة من أكثر وسائل المواصلات ازدحاماً في العالم".
لماذا إذن لا يمانع غالبية المسافرين من اختراق الغرباء لخصوصيتهم؟ يقول غيتلي شارحاً: "في الواقع، لا نعامل الناس كبشر. بل نعاملهم كما لو كانوا قطعاً من الأثاث، وهذا يمكننا من التعايش مع الوضع بدون الحاجة للتعامل معهم كما لو كنا سنفعل في الظروف الطبيعية".
ومن شأن ذلك أن يساعدنا على التعامل مع الازدحام الشديد، لكن الأبحاث تظهر أنه يمكن أن يكون ذلك سببا جزئياً وراء شعورنا بالضيق والتوتر أثناء السفر.
ويقول نيكولاس إيبلي، أستاذ العلوم السلوكية في جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة "يوجد تناقض اجتماعي يجري في الحافلات والقطارات حول العالم كل صباح عندما يسعى المسافرون إلى العزلة بطريقة خاطئة".
ويضيف: "يميل الناس إلى الاعتقاد أن الآخرين ليسوا اجتماعيين، وأنك إذا بدأت في الحديث معهم سيكون ذلك أمراً غير سار، ولكن هذا هو مكمن الخطأ عند المسافرين. فالذي عرفناه من خلال تجاربنا أن الثمن الأكبر لعملية السفر الطويل هو عدم الشعور بالراحة أو السعادة، والذي يظهر في كل استطلاع يمر عليك، والذي يمكن أن يزول بمجرد أن تتحدث مع أحد الغرباء".
ويضيف إيبلي أن البشر اجتماعيون إلى حد بعيد، وهم يرغبون في التواصل مع بعضهم، لكننا نسيء التقدير إلى أي مدى يمكن أن يكون الغرباء راغبين في الحديث إلينا.
ويقترح إيبلي أن تكون فاتحة الكلام مع أحد الغرباء من خلال إطراء من نوع ما، أو إبداء ملاحظة ما، ويقول إن تجربته تفيد بأن "الشخص الانطوائي أو الشخص المنفتح كلاهما سيكون أكثر سعادة إذا كان أكثر اجتماعية مما هو عليه الآن". - (بي بي سي)