كيف اعلى اليسار ليبرمان ؟

هارتس – داني غوتفاين

     

ان انجاز افيغدور ليبرمان في الانتخابات – 15 نائبا لإسرائيل بيتنا – هو قصة الأمس (الأربعاء). ان تنبؤه بان يحصل على ثلاثين نائبا في الانتخابات المقبلة يدل على الغاية التي يسعى اليها وهي جعل "إسرائيل بيتنا" الحزب الحاكم.

اضافة اعلان

ليس ليبرمان مشهدا عابرا. ففي الانتخابات الحالية هزم ليبرمان حزب العمل، الذي بقي الحزب الرابع مع 13 نائبا، عن مكانته كمنافس في السلطة. واهم من ذلك انه قوى مكانته كعنوان سياسي للجماهير التي خيب اليسار املها.

تجاوز حدود "الشارع الروسي" في الانتخابات السابقة، بمساعدة احكام بنيامين نتنياهو. منذ ذلك الحين كلما أدت سياسة خصخصة دولة الرفاه إلى إضعاف الامن الاقتصادي والاجتماعي، الذي يزداد بعقب الازمة الاقتصادية العالمية، ازدادت شعبية ليبرمان ايضا الذي يؤيد تصور نتنياهو الاقتصادي، لكنه يبدو لمؤيديه كمن سيخلصهم منه.

ان ضحايا نظام الخصخصة، الذين يبحثون بيأس عن الامن الاجتماعي، كانوا يستطيعون ان يكونوا شركاء في سياسة اشتراكية – ديمقراطية، لو اقترحها اليسار. بيد ان اليسار يتلعثم، وهم يهربون من عدم يقينه الى ذراعي "اسرائيل بيتنا"، التي اصبحت على هذا النحو محور السياسة الاسرائيلية.

تستمد قوة ليبرمان من ذلك المزيج الذي يؤجج اليمين المتطرف في أوروبا منذ اواخر القرن التاسع عشر: التأليف بين الازمة الاقتصادية وغياب الامن الاجتماعي (وفي حالة إسرائيل غياب الامن الشخصي على خلفية امنية ايضا)، ينشئ احساسا بالعجز الوطني، ويثير شوقا الى "شخص قوي" يحل محل الديمقراطية التي يراها المجتمع فاشلة.

الفاشية، كما يقول زئيف شتيرنهل "ليست يمينا ولا يسارا"، وهكذا يحطم ليبرمان ايضا خطوط التقسيم التقليدي بين اليسار واليمين: فهو مستعد لتقسيم القدس بل لتوسيع مبدأ اليسار لتقسيم البلاد داخل الخط الاخضر – وكل ذلك وسيلة لسلب العرب في إسرائيل جنسيتهم كما يطلب اليمين المتطرف. كذلك يحطم شعاره الانتخابي "لا مواطنة بلا اخلاص" الشفرة الاخلاقية للديمقراطية، لكن بتبني منطق شينوي المحرض على المتدينين الذي عرض على انه دفاع عن روح الديمقراطية.

ان "المواطنة المشروطة" كما يصوغها ليبرمان تحول المواطنة من حق عام الى افضال فئوي. يظهر أكثر الجمهور عدم مبالة بهذا المس بأساطين الديمقراطية، بعد ان تعود سنين قبول المبدأ الفئوي الذي حلت به دولة الرفاهة.

يوجد لـ "المواطنة المشروطة" عند ليبرمان معنى اقتصادي واضح: فهو يخطو خطوة فظة اخرى في الطريق الى اشتراط فئوي لعدد واسع من حقوق المواطن، من التأمين الوطني والصحي الى العمل وحرية التنقل. هكذا تتبين "المواطنة المشروطة" على انها وسيلة دفاع عن نظام الخصخصة: فسلب العرب حقوقهم يفترض ان يحسن الوضع الاقتصادي النسبي لليهود لكن بغير المس بمبدأ الخصخصة.

لا يوجد عند اليسار جواب لهذه الحيلة. بل العكس. لان "خطر ليبرمان"، مثل الحرب في غزة، اعطته ذريعة لان يتحلل من البرنامج الاجتماعي وان يقتصر على البرنامج السياسي – القانوني. بدل ان يحاول استمالة مؤيدي ليبرمان، اظهر اليسار الليبرالي الجديد (تأليف اسرائيلي متميز بين الحمائمية السياسية واليمينية الاقتصادية) نحوهم نفس العلاقة التي اظهرها في الماضي نحو مصوتي مناحيم بيغن من الطبقات الدنيا – لقبهم "كاهانيين" وانفصل عنهم.

اعطى ليبرمان اليسار الإسرائيلي ذريعة تجاهل الدرس الذي استخلصه اليسار الأوروبي من انهيار الديمقراطيات في العشرينيات والثلاثينيات، وفحواه ان دولة الرفاه شرط ضروري لمكافحة الفاشية ونظريات الكراهية التي تنشرها. وينكر اليسار الليبرالي الجديد الإسرائيلي، الذي يؤيد نظام الخصخصة لاعتبارات طبقية، ان هذا النظام، اكثر من اي تيار عميق للكراهية – هو الارض التي انبتت ليبرمان.

لكن شخصا واحدا يفهم هذا جيدا، هو ليبرمان نفسه، فهو يعلم انه طالما بقي اليسار لا يقترح بديلا اشتراكيا – ديمقراطيا في مركزه دولة الرفاه، التي تواجه جذور عدم الامن والخوف، فانه يستطيع الاستمرار في تسويق سلعته "لا يسار ولا يمين".