كيف تتجاهل منصات الإعلام الاجتماعي العدالة؟

ترجمة: ينال أبو زينة

يجتمع المدراء التنفيذيون كل يوم ثلاثاء على "فيسبوك"، وكل يوم جمعة على "يوتيوب"، لمناقشة آخر خطابات الكراهية وقضايا التضليل وغيرها من المحتويات المزعجة على منصاتهم، ومن ثم يقررون ما ينبغي التخلص منه أو تركه دون مساس.اضافة اعلان
وفي سان برونو، تشرف سوزان ووجكيكي، رئيسة الـ"يوتيوب"، بنفسها على هذه الممارسات، في حين يدير مدراء تنفيذيون أدنى مستوى في مينلو بارك  "منتدى معايير المحتوى" الخاص بـ"فيسبوك".
وقد أصبح هذا المنتدى محطة توقف متكررة لدائرة دعاية الشركة المخصصة للصحفيين. ويوصي فريق عمل المنتدى بمبادئ توجيهية بشأن من يجب فعله تجاه بعض المحتويات، لنقل صورة تظهر سيدات هندوسيات يتعرضن للضرب في بنغلاديش، والتي من شأنها مثلا أن تحرض على العنف خارج نطاق الإنترنت (أي على أرض الواقع) لدى بعض المشاهدين (وبالتالي يجب التخلص من هذه الصورة ومثيلاتها)، أو ربما يتبلور الأمر حول صورة تزعم بأن دونالد ترامب ارتدى زي "الكو كلوكس كلان" أو الـ"كيه كيه كيه، كما تعرف أكثر" في تسعينيات القرن الماضي (وهنا يجب تركها مثلا مع التخفيف من مدى انتشارها، بالإضافة إلى إعلام المستخدمين بأنها مزيفة).
وسوف تتحول القرارات المتخذة في هذه الاجتماعات، في نهاية المطاف، إلى نقاط تصفية ومن ثم إلى تعليمات ينبغي أن يتبعها آلاف مراجعي (منقحي) المحتوى في جميع أنحاء العالم.
وتعطي كيفية تنقيح كل شركة للمحتوى إنطباعا مشجعا بواقع الحال بحيث لم تعد الشركتان المذكورتان أعلاه تتخذ مثل هذه القرارات بشكل هامشي، وإنما بتركيز جوهري في أعمالهما التجارية.
وتوظف كل واحدة منهما مدراء تنفيذيين خبراء في كيفية تخفيف السُمية على منصاتها، إلى جانب حماية حرية التعبير.
ولكن إتمام ذلك بشكل مطلق (مثالي للغاية) سيبعث أيضاً على القلق؛ لاسيما وأن هؤلاء المدققين سيكونون في طريقهم إلى أن يصبحوا "وزراء الحقيقة" للجمهور العالمي.
ولم يحدث من قبل أن استطاعت القليل من الشركات التحكم بما يمكن للملايين مشاهدته وقوله.
ويولي السياسيون، من جهتهم، اهتماما متزايدا بالمحتوى على هذه المنصات، وإلى السياسيات التي تستخدم لتقييمه.
وفي الخامس من أيلول (سبتمبر) الحالي، شهدت شيرل ساندبيرج، الزعيمة رقم إثنان لـ"فيسبوك"، وجاك دورسي، رئيس "تويتر"، أمام "لجنة الاستخبارات الخاصة بمجلس الشيوخ" حول ما يمكن أن يكون أكثر ما يتسبب للشركات بسوء السمعة، مما أتاح التلاعب بمنصاتهم على يد النشطاء الروسيون الساعين إلى التأثير في الانتخابات الرئاسية الخاصة بالعام 2016 آن ذاك.
وكان  دورسي أجاب عن أسئلة مباشرة تقدمت بها لجنة تابعة للمجلس إليه في وقت لاحق كانت تتمحور حول تعديل المحتوى.
(وفي جلسة الاستماع الأولى، كانت "ألفابيت"، الشركة الأم لـ"جوجل"، والتي تملك "يوتيوب" أيضاً، قد مُثِّلت بمقعد فارغ بعد رفضها إتاحة لاري بيج، مؤسسها المشارك، لهذه الجلسة).
وقد تم تكثيف التدقيق في شؤون "فيسبوك" و"توتير" و"يوتيوب" مؤخرا أيضا وواجهت الثلاث شركات دعوات تملي بحظر أليكس جونز من "إنفوارز"، وهو منظر في نظريات المؤامرة؛ واستجابت كل من "فيسبوك" و"يوتيوب" للأمر في نهاية المطاف.
وفي الوقت نفسه، واجهت منصات التكنولوجيا اتهامات بالتحيز ضد المحافظين لقمعها نشر وبث بعض الأخبار.
ويعتبر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نفسه أكبر منتقد لهذه المنصات، بحيث هدد (عبر توتير) بإعادة تنظيمها.
وكان جيف سيشنز، نائب الرئيس الأميركي العام، قال عقب جلسات الاستماع مباشرةً أنه سيناقش مع محاميي الولايات العامين "القلق المتزايد" تجاه إيذاء المنصات المنافسة وخنقها التبادل الحر للأفكار.
الأنواع التي تتم حمايتها
يسلط هذا الانعطاف للأحداث الضوء على انحسار مد الحماية القانونية الخاصة، المطبقة لفترة طويلة من الزمن، للشركات. ولكن شركات الإنترنت في أميركا ما تزال محصنة من المسؤولية القانونية ذات العلاقة بالمحتوى الذي تنشره عبر خدماتها. وتعامل الفقرة 230 من قانون آداب الاتصالات للعام 1996 هذه المنصات كوسيطات، لا جهات ناشرة، من أجل إعفائها من المسؤولية القانونية.
وعندما كانت صناعة الإنترنت تقتصر على الشركات الناشئة الشابة الضعيفة ضد الهجمات، كان بالإمكان اعتبار هذا الإجراء منطقيا.
 وكان تعديل المحتوى عملا يتم بشكل مباشر قبل عقد من الآن، حيث كان عدد مستخدمي "فيسبوك" لا يتعدى الـ100 مليون مستخدم، ولم تكن معايير مجتمع الشركة تتعدى في تعدادها أيضا الصفحتين.
ولكن هناك 2.2 مليار مستخدم شهري لـ"فيسبوك" في الوقت الراهن، وقرابة 1.9 مليار تسجيل دخول شهري على "يوتيوب" أيضاً.
وقد أصبحت هاتان الشركتان مراكز رئيسية للتفاعل الاجتماعي ومنصتان للتعبير بكافة أنواعه، من النقاشات الواضحة ومقاطع الفيديو الخاصة بالقطط إلى نظريات المؤامرة وخطابات الكراهية.
وفي البداية، فشلت منصات الإعلام الاجتماعي في التكيف مع حجم ومدى تعقيد المشاكل التي كان نموها وازدياد نفوذها يتسبب بها، موضحةً أنها لم تكن تنوي أن تكون "من يتحكم بالحقيقة". ومع ذلك، وبشكل متكرر في السنوات الأخيرة، تم القبض على كلتا الشركتين متلبستين، إلى جانب "تويتر"، في المضي في طريق خطأ مع تقارير أشارت إلى الاستغلال والتلاعب بمنصاتها على يد المتصيدين وجماعات الكراهية والمنظرين في نظريات المؤامرة والمضللين والمروجين للدعايات الإنتخابية.
وفي ميانمار، وجد الصحفيون والخبراء في حقوق الإنسان أن التضليل الإعلامي على "فيسبوك" كان يحرض على العنف ضد مسلمي روهيونغا.
وعقب حادثة إطلاق النار الجماعية في مدرسة باركلاند، فلوريدا، أبرز البحث عن مقاطع فيديو تخص هذه الحادثة على "يوتيوب" تواجد مقاطع فيديو متآمرة تتدعي أن الحادثة كانت خدعة ضمت "جهات فاعلة معينة".
واستجابةً إلى ذلك، زادت كل من "فيسبوك" و"يوتيوب" مصادرها بشكل حاد، على الصعيدين البشري والتكنولوجي، والتي كرستها لحماية منصاتها وفي نهاية هذا العام، سوف تضاعف "فيسبوك" عدد موظفيها والمتعاقدين المكرسين لإضفاء المزيد من الـ"سلامة والأمن" على موقعها، إلى 20,000 شخص، بمن فيهم 10,000 مراجع للمحتوى.

"الإكونوميست"