كيف تتعامل تونس مع سلفييها ؟

"أنصار الشريعة" يشتبكون مع الشرطة التونسية في القيروان مؤخراً بعد حظر وزارة الداخلية مؤتمرهم السنوي - (أرشيفية)
"أنصار الشريعة" يشتبكون مع الشرطة التونسية في القيروان مؤخراً بعد حظر وزارة الداخلية مؤتمرهم السنوي - (أرشيفية)

شيرلي جاكوبس – (الغاريان) 21/5/2013

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
في الماضي، كان منتقدو الحكومة الإسلامية المعتدلة في تونس، بقيادة حزب النهضة، يكثرون من لومها على استخدامها لمسة ناعمة في التعامل مع أتباع الحركة السلفية المحافظة المتشددة، ومعاملتهم مثل الأطفال الضالين واسعي العيون الذين يعتنقون وجهة نظر حسنة النية، وإنما تبسيطية للدين. لكن الأوقات تغيرت الآن.اضافة اعلان
وبوصفي صحفية أقيم في تونس، فقد شاهدت العلاقات بين السلفيين والنهضة وهي تنكمش بشكل مذهل في الأسابيع الأخيرة. وكان يوم 19 أيار (مايو) نقطة تحول. فقد اشتبكت الشرطة مع السلفيين من جماعة أنصار الشريعة في وسط مدينة القيروان وفي حي التضامن في تونس. كان السلفيون يحاولون عقد مؤتمرهم السنوي من دون إذن قانوني.
وكان الضرر شديداً: مات أحد المتظاهرين بالرصاص، وجرح 15 من رجال الشرطة. وربط رئيس الوزراء التونسي، علي العريض، للمرة الأولى، بين أنصار الشريعة والإرهاب. وحتى الآن، وقعت ثلاث مواجهات في ثلاث من عطل نهاية الأسبوع على التوالي -في المناسبة الأولى، فرقت الشرطة السلفيين الذين كانوا يحاولون إقامة خيام للوعظ في أنحاء تونس، ثم تبعتها أعمال عنف في عطل نهاية الأسبوع التالية.
يمكن أن يكون تصلب موقف حزب النهضة الملحوظ تجاه السلفيين محاولة لإعادة انتزاع أوراق الاعتماد الأمنية لنفسه. وكان الجيش التونسي قد فشل في التقاط الجهاديين المتناثرين الذين على صلة بتنظيم القاعدة، والكامنين على الحدود التونسية مع الجزائر. ويشكل اتخاذ موقف صارم من السلفيين الذين يشتبه العديد من التونسيين في تورطهم في الإرهاب، استراتيجية سياسية مغرية لحزب النهضة الذي أصبح الآن متعطشاً لأن يثبت للمشككين أنه يمكن أن يكون قاسياً على الإرهاب.
لكن حملة النهضة تفوت الخدعة الكامنة على الطريق. ذلك أن للسلفيين وجهات نظر بالغة التفاوت والاختلاف بدرجات عالية، وليست كلها خطرة. وهو ما ينطبق على أعضاء حركة أنصار الشريعة نفسها. ويمكن أن يعمل حظر إقامة المؤتمر السنوي وعرقلة جهد الدعاة السلفيين على جعل الذين يقفون ضد العنف تحت قدر أكبر من إغواء استخدامه للخروج من حالة الإحباط.
بدلاً من ذلك، ينبغي على حزب النهضة أن يتبنى سياسة أكثر دهاء، والتي تميّز بين ثلاثة أنواع من السلفيين -السلفيّين العلميين التقليديين، وهم غير سياسيين ويهتمون فقط بالتبشير؛ السلفيون الجهاديون الذين يقفون ضد استخدام العنف محلياً (وهم مجموعة تضم بعض أعضاء أنصار الشريعة)، والسلفيون الجهاديون الذين يناصرون الإرهاب الداخلي. وينبغي على حزب النهضة أن يتسامح مع المجموعة الأولى؛ وأن يعمل على جذب الثانية إلى الساحة السياسية العامة، وأن يتعامل بشدة مع المجموعة الثالثة من خلال عمليات مكافحة الإرهاب المستهدفة.
إن السماح للسلفيين العلميين بالتبشير في الشوارع هو أمر لا يحتاج إلى الكثير من التفكير. كما أن حرمانهم من هذا الحق يشكل سلوكاً غير ديمقراطي واستفزازياً بشكل خطير. أما التعامل مع السلفيين الجهاديين فهو قضية أصعب. هناك الكثير من الأشياء المثيرة للاشمئزاز في سلوك جماعة أنصار الشريعة. على سبيل المثال: ثناء بعض أعضائها علناً على تنظيم القاعدة، وتهديد زعيمها بشن حرب على الحكومة. كما أن اللوم في الهجوم على السفارة الأميركية في تونس في أيلول (سبتمبر) الماضي توجه إلى عناصر من المجموعة.
ومع ذلك، تنطوي هذه المنظمة على فروق دقيقة. فمع أنه يتم حقن معظم الأعضاء بكريّات الفكر الجهادي، فإن هناك سلالة كبيرة منهم تقف بقوة ضد فكرة الجهاد داخل تونس. وهي تحبذ بدلاً من ذلك استخدام التشدد المسلح في الخارج -في سورية وأفغانستان.
بشكل عام، تروج المنظمة السياسات المفرطة في التدين، والتي تترك مذاقاً مراً في أفواه الغربيين والتونسيين العلمانيين. لكن هناك نظريات مدروسة على نحو مدهش، حتى لو كانت خيالية في بعض الأحيان، تكمن تحت سطح هذه السياسات. ولنأخذ فكرة السياحة الحلال مثلاً. يريد أنصار الشريعة أن تركز تونس أقل على السوق السياحية الغربية التقليدية، وأن تستهدف السوق المسلمة، وخاصة من أوروبا. ولن تكون مثل هذه السياسة غبية: إن الاهتمام العالمي في مجال السياحة الحلال ينمو، حيث أبدت دول مسلمة مثل ماليزيا وتركيا مسبقاً اهتمامها بتطوير نماذج لهذه السياحة في بلدانها. كما يدعم أنصار الشريعة التجارة الإسلامية والعمل النقابي والإصلاحات المالية ومعالجة مشكلة اللامساواة في التعليم. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو العديد من أعضاء أنصار الشريعة متحمسين لتحسين الخدمات العامة في أحيائهم المحلية أيضاً. وهم يديرون الخدمات المحلية التي لا تفي الحكومة بالتزاماتها بشأنها في المناطق الفقيرة -مثل تنظيف الشوارع، والتدريس، وحل النزاعات المحلية.
بهذا الشكل، تتكون جماعة أنصار الشريعة جزئياً من نشطاء يريدون بشكل غريزي صياغة السياسات وتحسين حصة الفقراء في تونس. ويعطي ذلك لحزب النهضة شيئاً يمكن العمل معه. وينبغي أن يقوم الحزب بدمج هؤلاء السلفيين في الحياة السياسية. ومع وجود مصلحة حقيقية لهم في السياسة ولدى تذوق طعم ما يعنيه التفاوض من أجل التغيير، سيصبح السلفيون أكثر احتمالاً لتعديل آرائهم نحو مزيد من الاعتدال.
وفي الوقت نفسه، ينبغي على الحكومة أن لا تبدي أي تسامح تجاه السلفيين الجهاديين الذين يشاركون في إذكاء العنف غير المبرر. يجب عليها التحقيق في أمر السلفيين المشتبه في صلتهم بالإرهاب. وتحتاج السلطات إلى تضييق الخناق على الجماعات التي تستخدم المساجد كملاذ لتهريب الأسلحة والمخدرات أيضاً، وكذلك معاقبة السلفيين الذين يستهدفون التونسيين الذين يعتبرونهم "غير إسلاميين" - مثل الفنانين، وباعة الكحول والنساء غير المحجبات.
إن السلفية التونسية هي أشبه بحساء سميك قوامه مزيج من الأفكار والأبطال المتعارضين. لكنه يجب على حزب النهضة تقليبه والغوص فيه لتقرير الأطراف التي يمكن أن التفاهم معها بالمنطق وتلك التي تصعب محاورتها. أما إذا قام حزب النهضة برفع درجة الحرارة ببساطة، فإنه سيحرق نفسه وحسب.


*نشر هذا المقال تحت عنوان:
 How to deal with Tunisia's Salafists