كيف تستطيع أوروبا إنقاذ اتفاق إيران النووي؟

مارك ليونارد*

لندن- في الأسبوع الماضي، لَفَت مسؤول ألماني كبير انتباهي إلى أن "الاتفاق النووي مع إيران يشكل الجدار الناري الأخير الذي يمنع التوترات العسكرية في المنطقة الأكثر قابلية للاشتعال في العالَم من التحول إلى حرب نووية". وتبدو هذه اللغة مغرقة في التشاؤم إلى حد غير عادي، لكنها تعكس تخوفاً حقيقياً من إقدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب قريباً على تفكيك خط الدفاع المصيري الذي يشعر الألمان وأوروبيون آخرون، بالفخر لبنائه.اضافة اعلان
كان القادة الألمان في حالة ترقب دفاعية منذ كانون الثاني (يناير)، عندما أعطاهم ترامب مهلة أخيرة تنتهي في الثاني عشر من أيار (مايو) "لإصلاح العيوب الفظيعة التي تشوب الاتفاق النووي مع إيران"، وإلا فإنه سيعيد فرض العقوبات على إيران. وتتلخص اعتراضات ترامب الرئيسية على الاتفاق في أنه لا يعالج سوء سلوك إيران في المنطقة ولا برنامجها لتصنيع الصواريخ البالستية، ولا يمنع إيران من استئناف برنامجها النووي بعد العام 2025. والآن، بعد أن قام ترامب بتعيين فريق جديد متشدد في إدارة السياسة الخارجية -والذي يضم جون بولتون في منصب مستشار الأمن القومي ومايك بومبيو في منصب وزير الخارجية- يخشى الدبلوماسيون الأوروبيون أن تتدهور الأمور.
على مدار الأشهر القليلة المنصرمة، كانت الحكومات الألمانية والفرنسية والبريطانية منهمكة في تجميع حزمة من التدابير -بما في ذلك فرض عقوبات محتملة ضد نخب إيرانية- لمعالجة مخاوف ترامب. وقام كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بزيارة البيت الأبيض لإقناع ترامب بأنه من الأفضل البناء على الاتفاق بدلاً من هدمه.
وفي الأمد القريب، يأمل الأوروبيون أن تسمح تدابيرهم المقترحة لترامب بإعلان النصر مع البقاء في الاتفاق. وكانوا حريصين على تذكير ترامب بأن الحل الدبلوماسي لأزمة كوريا الشمالية النووية ربما يتوقف على ما إذا كان ترامب سيتخلى من جانب واحد عن التزامات أميركا تجاه إيران بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة.
ولكن في الأمد البعيد، سوف تتوقف قدرة قادة أوروبا على إنقاذ الاتفاق على مدى تمكنهم من التصرف بما يحقق مصالحهم، وليس بوصفهم رهينة لنزوات إدارة ترامب.
من المنطقي أن تحتل قضية إيران الصدارة في الذكرى السنوية الخامسة عشرة لبدء حرب العراق. فمن منظور الدبلوماسيين الأوروبيين، تمثل تلك الكارثة ونجاح خطة العمل الشاملة المشتركة طرفي النقيض في السياسة الخارجية. وكان العراق الساعة الأشد حلكة في تاريخ أوروبا بعد الحرب الباردة؛ حيث اصطفت الدول الأوروبية ضد بعضها بعضاً في دعم أو معارضة الحرب، حتى برغم أنه لم يكن لأي منها أي تأثير حقيقي على القرارات الأميركية.
على النقيض من ذلك، تُعَد خطة العمل الشاملة المشتركة من نجاحات أوروبا الحديثة اللامعة. ففي محاولة يائسة لتجنب اندلاع حرب أخرى في الشرق الأوسط، بدأ الأوروبيون منذ العام 2005 في تحديد مصالحهم في المنطقة. وفي ظل الهدف المزدوج المتمثل في منع إيران من امتلاك أسلحة نووية وتجنب نشوب حرب أخرى، ابتكر الأوروبيون عدداً من أدوات الترغيب والترهيب لتشكيل التصرفات الإيرانية والأميركية.
عرض الدبلوماسيون الأوروبيون على إيران الاختيار بين مستقبلين: في الأول، تقوم إيران بتجميد برنامجها النووي وتنهي عزلتها الدولية؛ وفي الثاني تستبقي برنامجها النووي وتواجه عقوبات متزايدة القسوة، وربما الحرب. وفي الوقت نفسه، وبعد إقناع روسيا والصين بدعم استراتيجيتهم، اقترب الأوروبيون من الولايات المتحدة باختيار آخر صارخ: فإما أن تنضم إلى تحالف دولي لفرض الضغوط الدبلوماسية على إيران، أو أن تسعى بمفردها إلى انتهاج تدابير عسكرية مشكوك في فعاليتها.
اليوم، تدور الأهداف الرئيسية التي يسعى القادة الأوروبيون إلى تحقيقها في منطقة الشرق الأوسط حول تهدئة الصراع على الهيمنة بين إيران والمملكة العربية السعودية، ومنع الانتشار النووي، ومحاربة الإرهاب، ووقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا. لكن العديد من هذه الأهداف يجري تقويضها بقوة الآن بفعل تصرفات إدارة ترامب، التي كانت حريصة على إظهار انحيازها إلى إسرائيل والسعودية ضد إيران في النزاعات الإقليمية، من اليمن والعراق إلى لبنان وسورية.
بدأ الدبلوماسيون في بعض دول الاتحاد الأوروبي يشعرون بالقلق إزاء اضطرارهم إلى اتخاذ مواقف هَدَّامة في سعيهم إلى استرضاء ترامب، على نحو يشكل تكراراً للعلاقة بين رئيس الوزراء البريطاني توني بلير والرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في العام 2003. وكما أسرَّ لي أحد المسؤولين، فإن فرض عقوبات جديدة من شأنه أن يزيد من صعوبة الإبقاء على التزام إيران بخطة العمل الشاملة المشتركة، ناهيك عن المشاركة معها في معالجة قضايا إقليمية أخرى.
مع ذلك، كان النهج الأوروبي حتى الآن خاضعاً لمعايرة دقيقة لكسب ترامب والحفاظ على التزام إيران بالاتفاق معاً. وغني عن القول إن هذا يتطلب إيجاد توازن دقيق. فإذا أعطى الأوروبيون ترامب أكثر مما ينبغي، فإن تصرفهم هكذا سيصب في مصلحة المتشددين الأميركيين.
وفي الوقت نفسه، سوف يفضي هذا إلى تمكين المتشددين في إيران. وفي مقابلة أجريتها معه مؤخراً، أخبرني العالِم السياسي ناصر هاديان من جامعة طهران بأن القادة الإيرانيين المعتدلين مثل الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية جواد ظريف، أصبحوا بالفعل في موقف ضعيف، في حين يقول المتشددون الآن "ألم نقل لكم؟"، ويرى هاديان أن الخطر الأعظم هو أن تحاول أوروبا استرضاء ترامب "بأي ثمن"، في حين ينبغي لها أن تعمل على "وضع خطة بديلة لإنقاذ الاتفاق في غياب الولايات المتحدة".
ينبغي لأي خطة بديلة أن تقدم لإيران، بين أمور أخرى، المعونة الاقتصادية إذا أعادت الولايات المتحدة فرض العقوبات، شريطة أن تستمر إيران في الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة؛ كما يجب أن توفر الخطة البديلة الأساس لاستراتيجية أكبر في التواصل مع إيران وغيرها من أصحاب المصلحة لتهدئة النزاعات الإقليمية. وبطبيعة الحال، من الأفضل للجميع أن يوافق ترامب على عدم إلغاء الاتفاق النووي. ولكن، ولإقناعه بهذا، يتعين على أوروبا أن تُظهِر أنها على استعداد لمواصلة الطريق وحدها.
لتحقيق هذه الغاية، لا بد من مواجهة ترامب باختيار واضح: فإما الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة في مقابل الدعم الأوروبي في التعامل مع القضايا الإقليمية وبرنامج إيران الصاروخي؛ أو إلغاء الاتفاق والمجازفة بخسارة التعاون الأوروبي وظهور إيران مسلحة نووياً. وعلى حد تعبير محاوري الألماني: "يجب إبلاغ ترامب بأنه لا يمكنه الحصول على كل شيء من دون التنازل عن أي شيء".

*مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
*خاص بـ"الغد"، بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت".