كيف تسهم المعارضة في تسريع الإصلاح؟

في مسعانا جميعا لمناقشة الإصلاح بمكوناته الأساسية، نتلمس وبقوة أن دورا أكثر وضوحا وفعالية وإيجابية للمعارضة قد يكون ذا فائدة مضافة استثنائية للحراك الإصلاحي الوطني، الذي بات عدم الوضوح فيه وتعدد الاقتراحات وتضاربها أحيانا من أكثر ما يؤذيه، ويصب بالتالي في خانة قوى الشد العكسي المناهضة للإصلاح التي لا تريد أي نوع من أنواع الإصلاح وبأي سرعة كانت. اضافة اعلان
تفاعل المعارضة السياسية مع الإصلاح للآن ما يزال عنوانه الأساسي المقاطعة، ظنا من المعارضة أن هذا أفضل ما يمكن عمله في هذه المرحلة، لأنه سيبقي الضغط على الحكومات كي تقدم منتجا إصلاحيا مقدرا، لأنها ستسعى لاستمالة الرأي العام والمعارضة التي ستؤدي مشاركتها السياسية إلى إعطاء مصداقية لخطوات الحكومة الإصلاحية. وفي أقصى حالات المعارضة إيجابية، تجدها ترفض أي خطوة أو قرار إصلاحي من حيث المبدأ، ومن ثم وبعد أن يتم انتقادها بسبب رفضها العدمي، تجدها تقول شيئا عن الجانب الإيجابي لما تم تقديمه ولا ترفضه عن بكرة أبيه؛ ومثال ذلك موقف المعارضة من الإصلاحات الدستورية الذي بدأ عدميا ثم أخذ منحى فيه شيء من الإيجابية.
الافتراض الذي أسس لسلوك المعارضة غير دقيق؛ فلا مقاطعتها وعدم مشاركتها تعني نفس ما كانت تعني في السابق، إذ هي لم تعد مؤثرة بشكل مفصلي لنزع الشرعية عن مشروع الإصلاح السياسي، ولا أن وقوفها ضمن مربع الناقد لكل شيء مقبول أو معقول في ظل زخم الأطروحات الاصلاحية الدائرة. المطلوب في هذه المرحلة من المعارضة أن تقوم هي بالمبادرة والاقتراح "بواقعية" لما تعتقد أنه يجب أن تكون عليه الاشياء، وأن تحدد الظروف التي ستزيل حالة المقاطعة لديها وبوضوح حتى يستطيع الرأي العام معرفة ملامح التفاعل بين المعارضة والحكومات، وبالتالي أخذ موقف منها.
في سلوك معارضة مثالي في هذه اللحظة الزمنية التاريخية التي يمر بها الوطن، كان يؤمل منها أن تفكر وتتصرف من منطلق تقديم نفسها كبديل حقيقي وواقعي للخيارات السياسية المنظورة أمام صانع القرار، وأن تقنعه أنها أفضل من طبقة السياسيين الحاكمة الآن، لأنها لن تبقي فقط على سياسات الدولة الاستراتيجية ولكنها ستكون أفضل في الحفاظ عليها وتنفيذها. هذا ما فعله إلى حد كبير أقطاب المعارضة في المغرب، ما حدا بملكها أن يطلب من المعارضة تشكيل حكومة في مرحلة ما. المعارضة المغربية شكلّت حكومة بعد أن فهمت ما هي ظروف ولوجها العمل السياسي، وكيف يمكن طمأنة رأس الدولة إلى ذلك، وهذا ما لا يبدو أنه سلوك مفهوم من قبل معارضتنا الكريمة.
المعارضة الأردنية تعتقد مخطئة أنها تملك قوة سياسية تحتم على الدولة الاستجابة لها أو التحاور معها، وهذا تفكير عزلها وحرم الحراك الإصلاحي من إسهاماتها. وعلى المعارضة أن تدرك أنها معنية وملزمة سياسيا وتاريخيا باستمالة الدولة وليس العكس. هذا ما سيفيد الحراك الإصلاحي وليس المقاطعة والممانعة العدمية.