كيف تمول "داعش" نفسها؟*

مقاتلون من تنظيم داعش يسيطرون على موقع للجيش العراقي في الموصل - (أرشيفية)
مقاتلون من تنظيم داعش يسيطرون على موقع للجيش العراقي في الموصل - (أرشيفية)

ترجمة: ينال أبو زينة

عمان - ترسخ لدى العالم مؤخراً، وفق المعطيات الاقتصادية والسياسية المتاحة، اعتقاد قوي بأن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" (داعش) هو الأقوى بين التنظيمات الجهادية التي اختبرتها الدول على مر العصور. وقد تسنى ذلك للمجموعة بفضل الإدارة المحنكة لموارد المناطق التي تقع تحت سيطرتها، فضلاً عن اتباعها أفضل أساليب الكسب التي تتبعها العصابات الإجرامية باختلاف أشكالها. اضافة اعلان
حسب ما كشفت مصادر دولية، تشير التقديرات إلى أن إيرادات داعش أصبحت تراوح ما بين 1 إلى 4 ملايين دولار يومياً، والتي يجري الانفاق منها على رواتب المقاتلين وأعمال إنشاء مؤسسات دولة الخلافة، في الوقت الذي يجري فيه الاهتمام أيضاً بمخزون أسلحة المجموعة وسيطرتها الاقليمية ودعايتها. ولكن، كيف تجمعت لداعش هذه الإيرادات، بحيث أصبح بإمكانها تمويل نفسها ذاتياً كما يعتقد الكثيرون؟
استطاعت المنظمة أن تدرس المواقع الجغرافية جيداً، فضلاً عن استخدامها تكتيكات عسكرية كفؤة بلا شك. وقد تمكنت المجموعة من السيطرة، وما تزال تواصل زحفها للسيطرة على منطقة تلو الأخرى، مستندة إلى قوة اقتصادية وعسكرية يرى خبراء أنها راكمتها بسرية ومن دون عوائق على مدار السنوات.
في هذا الإطار، تمكنت المجموعة من فرض سيطرتها على معظم شمال العراق، ناقلة ملكية الكثير من البنوك والمزارع والمرافق إلى نفسها بالقوة، فضلاً عن الاستيلاء على ذخائر الجيش العراقي المهزوم في تلك المناطق، ما أمدها بأموال طائلة. وقد نهبت المجموعة من بنك الموصل المركزي وحده ما يقارب 425 مليون دولار.
بهذه المعطيات، ليس من المستغرب أن المجموعة تمتلك الآن مئات الملايين من الدولارات (إن لم تكسر حاجز المليارات في حقيقة الأمر) في شكل أصول مختلفة وفقاً لتقديرات مسؤولين في الاستخبارات، وهو ما عزاه الخبير في حركات التطرف، آرون زيلين، إلى كونها تحصد الأموال من مصادر عديدة تتمثل في "الاتجار بالأسلحة، والفدى التي تجنيها من عمليات الاختطاف، إلى جانب تكرير النفط وبيعه، وتهريب القطع الأثرية الثمينة، وفرض الضرائب على الأعمال التجارية في المناطق التي تحتلها واستيفاء الرسوم على نقاط التفتيش". وأضاف زيلين: "لقد بذل التنظيم جهداً واعياً ليستقل مالياً، فهو لا يثق بأحد ولا يعتمد على أحد، وإنما يريد الوصول إلى الاكتفاء الذاتي التام".
من جهة أخرى، يقول المحلل تشارلز ليستر من مركز بروكنغز، الدوحة: "لقد حملت داعش الرقابة الشديدة والسرية والتنسيق إلى مستويات أخرى، عبر تحقيقها مستوى مذهلاً من البيروقراطية، وطريقة متطورة لحفظ الحسابات، بالإضافة إلى اتباعها قنوات عديدة فيما يتعلق بالمساءلة".
النفط
يشكل النفط ركيزة أساسية في موارد داعش الاقتصادية، وقد خاضت المجموعة لأجله معارك طاحنة مع جهاديين راديكاليين آخرين في سورية، خاصة "جبهة النصرة" التابع الرسمي للقاعدة، لتسيطر في نهاية المطاف على ما يعادل 60 % من حقول النفط في سورية، فضلاً عن الكثير من أصول إنتاج النفط العراقية على الجهة الأخرى من الحدود.
ومن الوقائع المثيرة للجدل أن داعش تبيع النفط لنظام الأسد، وفقاً للعديد من المصادر المستقلة التي تنطوي على دراية وثيقة بالمسألة، حيث يترك النظام "الأضواء منارة" في بعض المدن الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الاسلامية في مقابل براميل النفط، وفقاً لمسؤول غربي يعمل في الاستخبارات.
ووفقاً لما صرح به مؤسس معهد العراق للطاقة، لؤي الخطيب، يبلغ إجمالي إيرادات التنظيم الإسلامي من إنتاج النفط وحده ما يعادل 2 مليون دولار يومياً، كما تتيح له سيطرته أن يتمكن من تهريب ما يتجاوز 30,000 برميل من النفط الخام يومياً إلى الدول المجاورة (تركيا، كردستان وإيران)، بسعر يتراوح ما بين 25 إلى 60 دولاراً للبرميل، اعتماداً على عدد السماسرة المنخرطين في العمليات.
تتم عمليات التهريب بطرق مختلفة، والتي تمكنت الحكومة التركية من اكتشاف إحداها، حيث يتم نقل النفط في خطوط أنابيب بدائية مدفونة تحت الأرض مباشرة من أجل التهريب عبر الحدود. وقد وجهت داعش ضربة موجعة للحكومة العراقية مؤخراً باستيلائها على "مصفاة نفط بيجي" في بغداد، الأمر الذي قدم لها، على طبقٍ من ذهب، ثروةً هائلةً أخرى.
السيطرة على مصادر الماء والقمح والكهرباء
ليس النفط هو المصدر الوحيد الذي يخدم مصالح داعش الاقتصادية. ففي مقابلة أخيرة مع مجلة دير شبيغل الألمانية، أوضح شارلز ليستر، زميل مركز بروكينغز الدوحة، كيف تستخدم المنظمة سيطرتها على مصادر الغذاء والماء لتعزيز أهدافها، مشيراً إلى أن جزءاً من تمويل داعش لنفسها يأتي من "المزروعات (كالقمح) وبيعها، إلى جانب النفط، بطرقٍ غير مشروعة، بالإضافة إلى إحكام سيطرتها على مصادر الماء والكهرباء".
في واقع الحال، أخضع التقدم المستمر لداعش في شمال العراق مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الرئيسية لسيطرتها، بحيث أصبحت تسيطر الآن على حصص ضخمة في المحافظات العراقية الخمس الأكثر خصوبة، والمسؤولة عن إنتاج 40 % من محصول القمح العراقي. هذا بالإضافة إلى غنائم القمح التي استولت عليها المنظمة (والمقدرة بنحو 40 إلى 50 ألف طن من القمح) إثر مداهمتها صوامع تخزين القمح الحكومية في المناطق العراقية الشمالية.
استطاعت داعش أيضاً، وفقاً لقناة العربية الفضائية، أن تنقل 700 طن من الحبوب على الأقل من غرب العراق إلى سورية لغايات الطحن والتكرير، ثم عمدت إلى إعادة بيع الحبوب للحكومة العراقية عبر جهات ثالثة بهدف جمع المزيد من الإيرادات. كما وسعت المنظمة نشاطها مؤخراً لتنخرط في صناعة الطحين، معتمدةً على الحبوب التي نهبتها من المطاحن الحكومية في أنحاء الموصل.
تضع أنشطة داعش الإنتاج الزراعي العراقي في دائرة الخطر، حيث يرى مسؤول في وزارة الزراعة العراقية أن
 30 % من الإنتاج الزراعي المحلي قد أصبح في حالة حرجة. ودعمت ذلك حقيقة أن نقص المؤن وانعدام الأمن الغذائي أديا إلى ارتفاع الأسعار، بينما زاد بشكل غير متوقع حجم الثروة التي تحصدها داعش من تجارة القمح.
وعلى صعيد الثروة المائية، استطاعت داعش أن تُخضع مسطحات مائية كبيرة لسيطرتها، مثل سد الموصل في العراق الذي استولت عليه المجموعة لفترة محدودة، وسد "طبقة" في محافظة الرقة السورية، المعروف بكونه يولد الكهرباء لحلب والمناطق المجاورة، وقد أبقت داعش على طاقم العمل الذي يشغله دون مساس حتى يستمر في عمله بشكل طبيعي.
أساليب العصابات الإجرامية
تشعبت أساليب داعش لتشمل استخدام الجريمة الربحية بكافة أشكالها من أجل حصد المزيد من الإيرادات غير الشرعية. ويتمثل نشاطها الإجرامي في ممارسة عمليات الابتزاز وسرقة السيارات والخطف، بالإضافة إلى فرض ضرائب غير قانونية على العمليات التجارية.
وفي هذا النطاق، أوضح مسؤول غربي في مكافحة الإرهاب أن داعش "جمعت عشرات الملايين من الدولارات من عمليات الاختطاف في سورية"، بينما قدر مسؤولون آخرون أن النشاط الإجرامي جعلها تحصد 12 مليون دولار من الموصل وحدها. وقد علق شاشانك جوشي، من معهد الخدمات المتحدة الملكي على الأمر بقوله: "لقد حققوا نجاحات باهرة على صعيد عمليات الاختطاف وطلب الفدى، وهي أحد أهم مصادر إيراداتهم خلال العام الماضي. وكانت هناك حكومات غربية من بين أولئك الذين دفعوا لها مبالغ طائلة".
بالإضافة إلى ذلك، تسيطر داعش على مناطق رئيسية في العراق وسورية ذات تاريخ حضاري مهم، وهو ما شجعها على تحويلها إلى سوق سوداء لبيع القطع الأثرية أيضاً. لكنها لا تتوفر أي أرقام فعلية تقيم الكم الذي تجلبه هذه التجارة غير المشروعة من الأرباح للتنظيم.
تشكل ممارسات فرض الضريبة والابتزاز أساليباً لها تأثيرها الكمي الإيجابي على اقتصاد داعش. ففي شهر أيار (مايو) من العام الحالي على سبيل المثال، أصدر مجلس الشريعة الحاكم في داعش (في منطقة الرقة) مرسوماً يفرض الزكاة على سكان المنطقة، والتي حددت بنسبة 10 % من الدخل، بينما فرضت ضريبة أخرى على المسيحيين المتواجدين هناك أيضاً.
وتعتبر نقاط التفتيش عبر الحدود بين العراق وسورية، بالإضافة إلى طرق التجارة الرئيسية في المناطق الخاضعة لداعش، نقاطاً مهمة لفرض الضريبة على التجار. وقد أظهرت وثائق خاصة بداعش أن المجموعة أنشأت 30 نقطة تفتيش في العراق وحدها خلال العام الماضي.
تدخل ضمن الأدوات التجارية التي تستهدفها داعش في فرض ضرائبها، كل من الشاحنات  والسيارات، بالإضافة إلى أبراج بث الهواتف النقالة. ولمتابعة هذه الغايات، حولت المنظمة الجهادية بنك التسليف في الرقة إلى سلطة تتولى الأعمال الضريبية، مع دفع أصحاب المتاجر 20 دولاراً كل شهرين مقابل استخدام المرافق والحماية.
بالإضافة إلى ذلك، وقبل أن تسيطر المنظمة على محافظة الموصل بالكامل، كانت "الدولة الإسلامية" تبتز أموالاً قدرت بنحو 8 ملايين دولار من الأعمال التجارية في المدينة كل شهر، وفقاً للواء مهدي الغراوي من الشرطة العراقية.
تشير جميع المعطيات الاقتصادية للمنظمة الإرهابية إلى كونها توائم بين آلية تحصيل الضرائب والأموال من جهة، وبين استراتيجية السيطرة على مظاهر الدولة وإنشاء الخلافة من جهة أخرى، وفقاً للخبراء. وما تزال داعش تراكم النجاحات فوق النجاحات، لتصبح أشبه كثيراً بالعصابات العالمية المنظمة الأخرى، وهو ما أشار إليه كولين كلارك، أستاذ العلوم السياسية المساعد في مؤسسة راند، بقوله: "تشبه داعش المافيا في طريقة عملها. إنها لا تختلف عنها في أساليب جمع الأموال بحيث تنخرط في أي نشاط يحقق لها مزيداً من العوائد".
 من جهته، كان لستر أوضح أيضاً حين قال: "أقدر تكاليف تشغيل داعش بأنها ربما تتجاوز 10 ملايين دولار شهرياً، حيث يُعتقد أنها تدفع لكل من مقاتليها ما بين 400 إلى 500 دولار في الشهر الواحد، وهو ما قد يصل إلى 5 ملايين دولار على الأقل شهرياً، وذلك دون أن نكون قد وضعنا ضمن اعتباراتنا تكاليف التشغيل الكبيرة لإدارة مدن كاملة".
بهذا، قدم النشاط والتنظيم المدروس لداعش فكرة للعالم بعد الحقائق الاقتصادية المكتشفة مؤخراً، وهي أن داعش قد تؤول إلى أن تصبح أخطر حتى من تنظيم القاعدة نفسه في حال استمرت على نفس المنوال.
*اعتمد هذا التقرير على تقرير نشره موقع "بيزنس إنسايدر" بعنوان "أليكم كيف تجني أغنى جماعة إرهابية في العالم ملايين الدولارات يومياً" بتاريخ 27 آب (أغسطس) 2014. وكذلك على تقرير نشره موقع الاقتصادي ستاشا دودوكوفيتش بعنوان "كيف تمول داعش نفسها" بتاريخ 22 حزيران (يونيو) 2014.