كيف تنتمي إلى العالم؟

يعاني 45 في المائة من البريطانيين من الشعور بالوحدة، ويعيش 9 ملايين بريطاني وحدهم، من بينهم مليونان تزيد أعمارهم على 75 عاما، وقد أعلنت الحكومة البريطانية تكليف الوزيرة تراوسي كرواتش بتولي مسؤولية التعامل مع مشكلة الوحدة، وبالطبع فإن المثال البريطاني ليس وحيدا أو نادرا.اضافة اعلان
تلاحظ أوليفيا لاينغ مؤلفة كتاب أو رواية أو الكتاب الروائي "المدينة الوحيدة" أن موضوع الوحدة شغل كتّاب الأغاني أكثر من علماء الاجتماع والنفس، وتسرد على نحو مؤثر سيرا لعدد من قادة الفن والثقافة أمضوا حياتهم وحيدين على نحو مريع، ومن هؤلاء آندي وارهول مؤسس مجلة "انتر فيو" والذي قتل في عام 1987، وكان قد تعرض لإطلاق نار عام 1968 على يد فاليري سولاناس، والتي تمثل أيضا حالة متطرفة للشعور بالوحدة والتهميش، وكانت قد نشرت قبل ذلك بسنة كتابها "بيان الحثالة" وكانت في حياتها وسيرتها مثالا صارخا ومحزنا للموهبة والتمرد اللذين يقتلهما التهميش والوحدة، وكانت حادثة اغتيال وراهول المحور الرئيسي لفيلم "I Shot Andy Warhol" في عام 1996 وكذلك أغنية لو ريد "I Believe" في عام 1990. يقول وراهول: س هو أي أحد يساعدني على تمضية الوقت. س هو أي أحد وأنا لا أحد.
لكن الوحدة أكبر بكثير من أزمة لفنانين ومثقفين أو فقراء ومهمشين، إنها قضية متصلة بوجودنا وشعورنا بهذا الوجود وتقييمنا له أيضا، .. الوحدة مكان مميز جدا. كما في أغنية دينيس ويلسون في ألبومه  pacifif ocean blue وقد منحت الشبكية معنى جديدا للوحدة، إنها قدرتك على أن تكون كما يجب و/ أو تحب أن تكون بلا مساعدة أو وصاية من أحد أو مؤسسة، .. إنك الإنسان الذي يعمل بنفسه ولنفسه ويداوي نفسه بنفسه ويعلم نفسه بنفسه، وأنت في الأصل وحيد .. تولد وحيدا، وتفكر وحيدا، وتؤمن أو لا تؤمن وحيدا، وتنسى و/ أو تتذكر وحيدا. وتتألم و/ أو تستمتع وحيدا، وتجوع وتشبع وحيدا، وتموت وحيدا، .. وتلاقي الله وحيدا!
وقد تكون وحيدا وانت بين الجموع، مثلما أنك وحيد وأنت تعيش وحدك. ويبدو القناع في الحفلات التنكرية استعادة لهذه الوحدة، حرية شخصية بلا حدود في السلوك والتصرف .. وفي ذلك فإن النقاب يمثل ضرورة وحاجة مهمة، لكن المؤكد أن النقاب كما القناع يمثل اعتداء على الفضاء العام، .. اعتداء المتوحد على شؤون الناس بدلا من انزوائه بعيدا عنهم، ولذلك منحت الحضارة فرصا ومناسبات محدودة ومحددة في أعياد الهالوين وبعض الحفلات التنكرية لأن تكون وحيدا وتتصرف وتسلك كما لو أنك وحيد.
كيف لا تكون وحيدا عندما تكون مع الناس؟ .. لعلها أيضا أزمة المتطرفين والذئاب المتوحدة، وربما تفسر انشغالنا النرجسي بشبكات التواصل، إنه انشغال يعكس الشعور العميق بالوحدة، تقول أوليفيا لاينغ: كم سأكون ضائعة ووحيدة بدون الموبايل. لكن وعلى نحو ما فإن هؤلاء المتوحدين (ويشمل ذلك المتطرفين والقتلة والمعتدين) "هم" من يمنحون"نا" التضامن لمواجهة "الأعداء" والذين بدونهم سوف نواجه التشتت والضياع! تقول لاينغ "ما يحافظ على المدينة الكبيرة المتروبولية ويجعلها متماسكة من الداخل هم جماعات من المهمشين والغرباء والمتشردين في تفاعلاتهم وعلاقاتهم الديمقراطية وحاجاتهم الملحة للألفة والحنان"، وربما يكون المتطرفون والإرهابيون سواء كانوا متوحدين أو جماعات يعبّرون في حربهم على العالم برغبتهم في الانتماء والمشاركة وأن يكونوا جزءا من هذا العالم يتقبلهم ويتقبلونه!
لكن وعلى نحو ما تبدو الفردية فضيلة في عصر الشبكية بعدما كانت ضريبة يصعب تجنبها في عصر الصناعة، وفي ذلك تصعد قضية الوحدة (بمعنى أن تكون وحيدا وليس الوحدة العربية أو الإسلامية!) إلى الاهتمام؛ بالنظر إليها تحديا يجب مواجهته أو إدارته؛ وأنها في الوقت نفسه فضيلة أو حق يجب أن يتمتع به كل إنسان.