كيف خطف القوميون الأتراك الأضواء من أردوغان؟

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

يافوز بيدر – (ذا أراب ويكلي) 30/10/2018

كما هو معروف جيدا ومعترف به على نطاق واسع، أتقن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مهارة التعامل مع تعدد المهام السياسية. وهو يستطيع أن يعمل بفعالية على عدة جبهات في الوقت نفسه. ويساعده في ذلك نهج براغماتي إلى حد مدهش لمقاربة التحديات، وغريزة لحفظ البقاء. وإذا كان الحظ عاملاً ممكناً، فقد ساعده بدوره، أيضاً.
بينما كان العالم يراقب إردوغان وهو يتلاعب بالكرات بمهارة على طريقة فناني السيرك في قضية الخاشقجي، فشل تطور مهم في اجتذاب الانتباه الذي يستحقه. ثمة عنصر محلي وسط الدراما غير المسبوقة لقتل الصحفي السعودي جمال الخاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول، والذي أضيف إلى التحديات التي يواجهها إردوغان حالياً. وهو يهدد قبضته على السلطة على المدى الطويل لأن الانتخابات المحلية القادمة ستجري في آذار (مارس) المقبل.
في اليوم الذي وعد فيه إردوغان بإعلان "الحقيقة العارية" عن مقتل الخاشقجي، حاول حليفه السياسي، دولت بهشلي، سرقة العرض عن طريق إلقاء قنبلة يدوية سياسية.
أخذ قائد حزب الحركة القومية القومي المتطرف منصة الخطابة في البرلمان قبل إردوغان. وأعلن بهشلي أنه ينهي الجهود لترشيح مرشحين لرئاسة البلديات عن "تحالف الشعب" الذي ضم حزب إردوغان، العدالة والتنمية، مع حزب الحركة القومية في انتخابات حزيران (يونيو) الوطنية الأخيرة. ويشكل الحزبان كتلة إسلامية-قومية تاريخية تتكون من 340 عضواً في البرلمان المؤلف من 600 مقعد.
كان هذا التحالف هو الذي منح الثقة لكل القوى التي تحارب الأحزاب العلمانية، وليس أقلها حزب الشعب الديمقراطي، المعارض الرئيسي، والأهم من كل شيء، حزب الشعب الديمقراطي. ولدى حزب الشعب الديمقراطي 65 مقعداً، وهو عدد غير عادي وجدير بالملاحظة، بالنظر إلى مستوى القمع الذي واجهه.
لا عجب أن تكون المعارضة قد اشتمت رائحة الدم بعد خطاب بهشلي الذي بدا أنه يعرض الفكرة التالية: سوف نقطع الشوط وحدنا في الانتخابات المحلية. وبعد المسارعة إلى إعلان نهاية التحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، شرعت المعارضة في الحديث عن إمكانية النصر قبل الأوان.
حتى مع ذلك، كان ما تلا إعلان بهشلي مهماً. فقد دارت حرب كلمات بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. وفيها وجها التهديدات والإهانات إلى بعضهما البعض. فما الذي كان يحدث؟
ليس بهشلي مجرد سياسي. وتقول مصادر أمضت بعض الوقت مع دائرته الداخلية، بثقة، أن هناك دائماً "منطقٌ عميق" خلف تصرفاته. وما عليك سوى أن تفك شيفرة هذا "المنطق العميق" وسيتضح لك أن بهشلي يتصرف بالطريقة التي تفكر بها البيروقراطية.
وهكذا، ربما يكون قد اكتشف أن إردوغان ليس ضعيفاً مع الناخبين بقدر ما هو ضعيف مع أولئك الذين يملأون الوظائف في الهيئات الإدارية المختلفة. وأيضاً، سوف يلحق الانهيار الاقتصادي البطيء الضرر بحزب العدالة والتنمية وكوادره، وربما تكون لدى بهشلي أدلة على صعود القومية التركية.
بشكل حتمي، أفضت عملية التطهير الضخمة والشاملة التي قام بها اردوغان ضد الغولنيين والعلمانيين ذوي الميول الرئيسية، الذين يأتون بشكل رئيسي من البيروقراطية، والجيش والجهاز القضائي بعد محاولة الانقلاب في العام 2016، إلى تفضيل وتعزيز موقف القوميين المتشددين. وربما تشجع البدائل أولئك الذين يدعمون بهشلي وحزبه.
إذا كان هذا التطور ليشكل اتجاهاً، فإنه يعني أن إردوغان في ورطة. وباعتباره رجلاً بعيد النظر، فإنه يراها من دون شك. ولذلك، خطا بحذر شديد منذ إعلان بهشلي، محاولاً التأكيد على أنه في حين أن التحالف قد يكون موضع شك على المستوى المحلي، فإن كتلة تحالف الشعب الوطنية سوف تبقى. وبعبارات أخرى، كان الرئيس التركي يرسل رسالة تفيد بأن لديه من الوقت حتى آذار (مارس) للتلاعب بالمزيد من الكرات والخروج كاسباً، مرة أخرى أيضاً.
ثمة إيجابيات وسلبيات في هذه الفرضية. فقد أعاد أردوغان بناء حزب العدالة والتنمية على صورته وحوَّله إلى آلة لإبقائه وحيداً في السلطة. ومن الواضح أيضاً من استطلاعات الرأي أن أردوغان بشخصه هو أكثر شعبية من حزبه. وهو يسيطر على الإعلام، والقضاء، والجيش، والأهم من كل شيء، الحشود. ويبدو أنصاره مفتونين به.
ولكن، حتى مع ذلك، فإن نوعاً من القومية التركية الشرسة الوحدوية والشجاعة يبدو أنه يكتسب الأرضية. وليس هذا في صالح إردوغان، مع أن المفارقة هي أنه هو نفسه فتح البوابات للقوميين.
يشرع المجتمع التركي، العالق بين أيديولوجيتين قمعيتين، بالتحول مبتعداً عن الإسلاموية وفي اتجاه القومية التركية. وفي أفضل الأحوال، سيكون على أردوغان أن يتبنى نوعاً من الأجندة القومية المتطرفة، وسوف تدور الانتخابات المحلية المقبلة حول المزيد من تعزيز هذه التوليفة الترك-إسلامية.
*كاتب عمود تركي بارز، ومحلل للأخبار. وهو عضو مؤسس لمنتدى الصحافة المستقلة (ب 24) في إسطنبول. كان يغطي الشؤون التركية ويراقب قضايا الإعلام منذ العام 1980. حاصل على جائزة الصحافة الأوروبية للعام 2014، وحائز أيضاً على جائزة التميز الصحفي الألمانية للعام 2018.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: How Turkey’s nationalists upstaged Erdogan

اضافة اعلان

[email protected]