كيف غيّر أسانج و"ويكيليكس" الصحافة؟

مارغريت سوليفان – (الواشنطن بوست) 14/4/2019
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

بالنسبة للمدافعين عن حرية الصحافة، لطالما شكل جوليان أسانج شخصية استقطابية. وقد أعاد اعتقاله في لندن يوم الخميس الماضي مرة أخرى إثارة ما يبدو نقاشا لا ينتهي:
هل يكون مؤسس "ويكيليكس"، الذي كان حتى يوم الخميس الماضي محتجزا في السفارة الإكوادورية في لندن منذ سنوات، ناشرا في الأساس –ولو أنه واحد غريب بشكل ملحوظ- والذي يؤمن باتخاذ خطوات متطرفة لكشف أسرار الحكومة، والذي يجب أن يتمتع بالتالي بنفس حمايات "التعديل الأول" التي تُعطى لمنظمات الأخبار؟
أم أنه خائن متهور –وليس صحفيا بأي حال من الأحوال- والذي لا يستحق مثل هذا الاعتبار وينبغي أن يُحاكم بلا أي قلق بالمخاوف على حرية الصحافة؟
سوف تكون طبيعة الاتهام الذي توجهه إليه حكومة الولايات المتحدة هي التي تصنع الفرق.
يجري اتهام أسانج بموجب قانون غش الحاسوب وإساءة استغلاله، حيث تقول الحكومة أنه تآمر مع محلل الاستخبارات السابق في الجيش الأميركي، تشيلسي مانينغ، وأنه ساعد مانينغ في قرصنة وكسر كلمة سر مصنفة بأنها سرية لوزارة الدفاع.
وتجدر ملاحظة أن أسانج ليس متهماً بموجب "قانون التجسس"، الذي تم استخدامه في السنوات الأخيرة لملاحقة الصحفيين ومصادرهم. وكان مانينغ قد سجن سبع سنوات، في جزء منها لأنه وُجد مذنباً بانتهاك ذلك القانون.
أما فيما يخص أسانج، فيتعلق السؤال على ما يلي: هل عبَر أسانج خطاً حرجاً بما يُزعم أنه قرصنة كلمة السر –وهو خط لن يعبره أي صحفي شرعي، أو لا ينبغي أن يعبره من الأساس؟
لا شك في أن محامي أسانج لا يعتقد ذلك. وقال باري بالوك أن التهم "تتلخص في تشجيع مصدر على تزويده بمعلومات وبذل جهود لحماية هوية ذلك المصدر". وكان بعض الصحفيين سريعين إلى الموافقة على رأسه.
وقال المحامي البارز في موضوع "التعديل الأول" فلويد أبرامز يوم الخميس أنه لم يقرر رأيه بالكامل في القضية، لكن هذا الوصف كان شيئاً أراحه. وقال لشبكة "سي. إن. إن" أن لائحة الاتهام ضيقة، وليست مبنية على ما يفعله الصحفيون كل الوقت: تلقي ونشر معلومات مصنفة على أنها سرية.
وقال أن ما يُتهم به أسانج –اقتحام أجهزة حاسوب حكومية آمنة- "هو لحسن الحظ ليس شيئاً شائعاً في السلوك الصحفي".
ومع ذلك، ثمة منطقة رمادية كبيرة هنا -وواحدة إشكالية في الحقيقة.
يقول أستاذ قانون الإعلام في جامعة جورجيا، جوناثان بيترز: "تناقش لائحة الاتهام الممارسات الصحفية في سياق مؤامرة إجرامية: استخدام التشفير، وبذل جهود لحماية هوية مصدر للمعلومات، وزراعة مصدر". وقال لي أن هذه الممارسات ليست روتينية وقانونية فحسب، "إنها من أفضل ممارسات الصحفيين".
في الحقيقية، ساعدت ويكليكس وأسانج –وبالتأكيد تسريب إدوارد سنودن في العام 2013 لمقادير هائلة من المعلومات الحكومية، والتي جلبت ممارسات الرقابة واسعة النطاق التي تمارسها الحكومة تحت الضوء- في الإيذان بقدوم عصر جديد للصحفيين. وهي تستخدم بحكمة تطبيقات التشفير، مثل "سيغنال" للتحادث مع المصادر وتلقي المعلومات منهم.
أما أن يتم تصوير هذه الممارسات على أنها جزء من مؤامرة، فشأن "ينبغي أن يقلق كل الصحفيين، سواء كان يُنظر إلى أسانج نفسه على أنه صحفي أو غير ذلك"، كما قال بيترز.
ومع ذلك، فإن الشيء المميز في هذه الحالة هو التآمر لكسر كلمة سر مرتبط بشبكة آمنة. "ذلك سوف يميز أسانج في الممارسة عن الصحفيين التقليديين"، في رأي بيترز.
أما أن يكون أسانج هذه الشخصية الغربية –وغير المتعاطفة بالنسبة للكثيرين- فهو ما قد يتدخل كثيرا في النقاش. إنه شخص يصعب الدفاع عنه.
في العام الماضي، قالي لي تريفور تيم، المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن حرية الصحافة: "عندما تحاول الحكومات أن تقيد حقوق الصحافة من أي نوع، فإن الميل لا يكون إلى ملاحقة الولد الأكثر شعبية في الغرفة –وإنما مطاردة الأقل شعبية". وقال تيم أن ما فعلته ويكليكس بشكل ثابت هو "نشر معلومات صحيحة، والتي تعتبرها الحكومة سرية".
تذكروا "أوراق البنتاغون"، التي تتضمن التاريخ السري لحرب فيتنام، والتي سرقها دانييل إلسبيرغ قبل نحو 50 عاماً من وزارة الدفاع وسلمها لصحيفتي "النيويورك تايمز" و"الواشنطن بوست".
حتى قبل محاولة كسر كلمة سر، كان مانينغ قد أعطى ويكليكس مئات الآلاف من السجلات المصنفة بأنها سرية، كما قال المدعون العامون. ويُزعم أن المادة تضمنت نحو أربع قواعد كاملة للبيانات، والتي تتكون من 90.000 تقرير عن الحرب الأفغانية، و400.000 تقرير عن الحرب العراقية، و250.000 من برقيات وزارة الخارجية، حسب ما ذكرته صحيفة "البوست" يوم الخميس الماضي.
يقف مدير "اتحاد الحريات المدنية الأميركية"، بن فيزنر، بحزم في زاوية أسانغ. ويقول أن مقاضاته "سوف تكون ممارسة غير مسبوقة وغير دستورية ويمكن أن تفتح الباب أمام إجراء تحقيقات جرمية مع منظمات أخبار أخرى".
وأنا أميل إلى الموافقة. نعم. لقد عبر أسانج خطاً إذا كان قد تآمر فعلاً مع مصدره لكسر كلمة سر حكومية آمنة. لكن المخاطر التي قد تتعرض لها منظمات الأخبار جراء محاكمته تبقى حقيقية جداً.
لذلك، قبل أن ندير ظهورنا لأسانغ، يجب علينا أن نفكر مليا في ما هو على المحك. ربما يبدو الإلقاء به إلى الذئاب وكأنه مجرد ممثل نرجسي سيء الأداء –"ليس مثلنا"، بطبيعة الحال- خياراً مغوياً. لكن منظمات الأخبار التي ليست مختلفة كثيراً في أهدافها قد تعاني من التداعيات.
إن المنطقة الرمادية هنا أكبر مما تبدو –وكذلك حال المخاطر على الصحافة التقليدية والمصلحة العامة.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: How Julian Assange And WikiLeaks Changed Journalism