كيف غيّر الإنترنت أخبار غزة وغيرها؟

إعلام المواطن أتاح إمكانية إضافة المنظور الشخصي إلى القصة الإخبارية - (أرشيفية)
إعلام المواطن أتاح إمكانية إضافة المنظور الشخصي إلى القصة الإخبارية - (أرشيفية)

إميلي بيل – (الغارديان) 

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
كيف تجعلنا النشرات الإخبارية نرى الآخرين ونفهم العالم؟ يكون الجواب في كثير من الأحيان أُحاديّ البعد إلى حد خطير: الصواريخ في منطقة الشرق الأوسط؛ المجاعة في أفريقيا؛ المصانع في الصين؛ العائلة المالكة في بريطانيا؛ والديون في اليونان. ولذلك، نعاني جميعاً عن بُعد من غياب الفوارق البسيطة والسياق في الحدث الإخباري الحقيقي عن نظر بقية العالم.اضافة اعلان
وكان رئيس سابق للإنترنت في محطة (بي بي سي نيوز) قد عبر عن أسفه ذات مرة للمشاكل التي تعتور تغطية الأحداث الصعبة في المناطق البعيدة من أجل تقديمها لمشاهدي التلفزيون. وأشار إلى أن الخمس دقائق ما قبل الأخيرة من نشرة أخبار المساء كانت عادة ما تُخصص لما يُسمى بشكل غير رسمي "جولة التشييك الأخيرة الماكرة لرجل الشرطة".
في كثير من الأحيان، يتم تكثيف القصص الدولية المهمة عن الأزمات الدائرة في بضع ثوان من اللقطات العامة؛ شرطة مكافحة الشغب تضرب المحتجين بالهراوات، رماة الحجارة يهربون من قنابل الغاز التي تلقيها الشرطة، العربات المدرعة تسير على الطرق الترابية لبلدة في منطقة الشرق الأوسط أو من دولة في جنوب الصحراء الأفريقية مشتبكة في حرب أهلية.
لم تعد نشرة أخبار المساء تتعلق بالكيفية التي يتابع بها غالبية الناس أخبارها، وقد حملت شبكة الانترنت عالماً كاملاً إلى أطراف أصابعنا التي يمكن أن تأخذنا إلى عتبات، بل وإلى داخل منازل أولئك الذين يعيشون في مناطق النزاع. ونادراً ما تصنع الحالات المزمنة، مثل تلك القائمة في غزة، صفحات الصحف الأولى، أو حتى الملخصات الإخبارية الدورية في 15 دقيقة لما يحدث في العالم الآن. وقد ناضلت وكالات الأنباء لسنوات عديدة، وفشلت، لصناعة انخراط حقيقي لجمهورها المحلي في القصص الإخبارية القادمة من الخارج.
لكن النظام البيئي على شبكة الإنترنت يقوم بتغذية رواية موازية مختلفة. وتعطي أصوات وشخصيات المدونين والأفراد الذين يرسلون التويترات أو يحدّثون حالتهم على الفيسبوك من داخل مناطق النزاع أو المناطق التي تعاني أشكالاً أخرى من الأزمات الإنسانية، منظوراً واستمرارية لا يمكن لمنافذ الإعلام الدولية التقليدية أن تُحاكيها. وعندما أسس إيثان زوكرمان وريبيكا ماكينون "أصوات عالمية" Global Voices من مركز بيركمان في جامعة هارفارد في العام 2004، فقد كان ذلك مع فكرة أن شبكات وسائل الإعلام غير السائد سوف تصبح ذات أهمية متزايدة في رواية القصص من وجهة نظر المواطنين المحليين المتنورين.
لدى تصفح المدونات والتغذيات حول قطاع غزة، فإنه من السهل العثور على قصاصات أقل مهنية، لكنها تقدم صورة أكثر عمقاً من الموجود، وتضيف عنصراً من الحميمية إلى القصة السياسية. ثمة شريط فيديو صور بكاميرا هاتف محمول عن نضال طويل وغير مثمر في نهاية المطاف لتشغيل مولد كهرباء محلي، وأوصاف للضجر من شحن الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة من دون وجود إمدادات ثابتة للكهرباء؛ وتتناثر في هذه الداخلات الوجوه الدنيوية، والسير الذاتية، والاهتمامات بين علامات المربع "هاش" عن المضربين عن الطعام مثل: #حرروا السرسك والريحاوي؛ ومن المستحيل أيضاً على المرء العبور من خلال هذه الجداول، كصحفي، من دون التفكير في التوثيق والتحقق. وقد رأينا كيف أن الصحافة الغربية، بما فيها الغارديان، سقطت في فخ رغبتها في أن تكون الفتاة مثلية الجنس في دمشق حقيقية، وبإلحاح، حتى جعلتها حقيقة، على الرغم من إشارات التحذير الحمراء العديدة.
ومع ذلك، فإن السؤال الخطأ هو السؤال عما إذا كان هؤلاء المدونون، ومداخلو التويتر والنشطاء يمكن أن يثروا دورة الأخبار. إنهم يفعلون ذلك بالفعل. لكن السؤال الأكثر اختباراً لأولئك المتحمسين لإبلاغ العالم بالأخبار هو: كيف يمكن استخدام هذا السرد البديل الذي يأتي من منظور المعايشة اليومية بشكل أكثر فعالية للإبلاغ عن الموقف.
وقد انضم عدد من المنظمات الجديدة إلى "أصوات العالمية"، والتي تسعى إلى تسليط الضوء على المزيد من الأصوات الموثوقة في الفيضان الكاسح من الأخبار الدولية. و"ستوري فُل" Storyful هي منظمة أخبار ناشئة أطلقت عملها من دبلن، وتأخذ دور "منتج الميدان" الذي يضم التيارات المتعددة من المواطنين الإعلاميين، والمدونين والمعلقين الذين يكونون على مقربة من مكان الحدث. وفي تبادل بالبريد الإلكتروني مع مسؤول "ستوري فُل" العالمي كلير أردل، قيل لي إنه: "في كل من غزة ومصر، تم الآن استبدال تاريخ طويل من وسائل الإعلام الرسمية أو تلك التابعة لواحدة أو أخرى من المجموعات السياسية ليحل محلها نظام بيئي حيوي على الشبكة، يجمع بين التدوين، والصحافة، والمواطن البسيط شاهد العيان".
الآن أصبحت منظمات حقوق الإنسان أكثر مهارة في تغذية القصص الإخبارية الدورية بحكايات فردية تُحكى بشكل قوي. ويشكل "نشاط الهاش"، وهو وسيلة لوصف الكيفية التي تفهم بها جماعات المجتمع المدني دورة الأخبار وتأثيرها، عنصراً جديداً يجلب معه تحديات جديدة أمام وكالات الأنباء والمهتمين من الجمهور. وقد أصبح تكشيف طبقات المصداقية، والدافعية، والدعم والتدريب التي ربما تكون قد تحولت إلى عملية إخبار قصة شخصية قوية، يتجاوز الآن مجرد أمر التأكد من أن شاهدك يقول إنها كذلك، وليس قصة عن شخص ذكر جامعي مكتئب يتظاهر بأنه فتاة سورية مثلية.
ليس هناك شيء جديد في الفكرة القائلة بأن الناس يتبعون الناس أكثر مما يتبَعون السياسات والمؤسسات. هذا هو السبب في أن صحف الإثارة تبيع أكثر من الصحف الرصينة، وهو السبب في أن حفل زفاف يكون أكثر إثارة للاهتمام من اجتماع للتخطيط الاستراتيجي. ويجري تغيير نسيج فهمنا للعالم يومياً من خلال الكيفية التي يروي بها الناس قصصهم، والكيفية التي يتم ربطها بها مع الأحداث الأكبر. وبالنسبة لأولئك الذين نشأوا معتادين على رؤية جولة الشرطي الأخيرة التفقدية الماكرة، فإن مشهداً خصباً، وأفضل، ولو أنه مربك، هو الذي ينبثق الآن.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: How the internet has transformed news of Gaza and beyond