كيف قوضت مؤامرات الـ"سي. آي. إيه" إنهاء الاستعمار في إفريقيا؟

الرئيس الأميركي جون كنيدي يستقبل مابوتو سيسي سيكو، رئيس الجيش الكونغولي الذي أطاح بباتريس لومومبا واغتاله – (أرشيفية)
الرئيس الأميركي جون كنيدي يستقبل مابوتو سيسي سيكو، رئيس الجيش الكونغولي الذي أطاح بباتريس لومومبا واغتاله – (أرشيفية)

إيف أوتنبيرغ* - (كاونتربنش) 31/12/2021

اضافة اعلان

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

بالنسبة لأولئك الذين يعتقدون أنه تم إنهاء الاستعمار في إفريقيا منذ عقود، حان الوقت للاستيقاظ من عالم الأحلام.

صحيح أن القوى الأوروبية الاستعمارية لم تعد تفرض حكمًا مباشرًا على الدول الأفريقية، التي تعد اسمًا "مستقلة".

لكن تلك الدول الأوروبية، التي هُزمت وأُخرجت من مستعمراتها الأفريقية في النصف الثاني من القرن العشرين، لم تكن لديها النية لخسارة استثماراتها أو وصولها إلى الثروة المعدنية الهائلة لأفريقيا.

لذلك، بمساعدة مجموعات مثل وكالة المخابرات المركزية الأميركية، أعاد الأوروبيون والأميركيون استعمار القارة سراً، بالرشاوى، والقتل، والقروض، والخصخصة (أي النهب) وتنصيب أنظمة صديقة للغرب.


وكان أحدث هذه التكرارات الاستعمارية وأكثرها ضررًا هو قوات "أفريكوم" التابعة للجيش الأميركي، على الرغم من أن هناك أوليغارشية فرنسية "تسيطر على 16 ميناءً في غرب إفريقيا من خلال الرشوة واستغلال النفوذ".

كما ذكرت مارغريت كيمبرلي في "تقرير الأجندة السوداء"، الذي نُشر 1 كانون الأول (ديسمبر).

تقول كيبمرلي: "تتحكم الشركات الكندية في تعدين الذهب في بوركينا فاسو، ومالي وجمهورية الكونغو الديمقراطية… وما يزال الجنود البريطانيون متمركزين في كينيا".

وبذلك لم يتوقف الغرب عن خنق الدول الأفريقية. وفي هذا الجهد، كان الاغتيال الخسيس لباتريس لومومبا في العام 1961 عاملاً أساسياً.

وغني عن القول إن وكالة المخابرات المركزية كانت متورطة في ذلك حتى مُقل عيونها.


كأول زعيم منتخب بحرية للكونغو بعد هزيمة بلجيكا، ارتكب لومومبا الخطأ الصادق المتمثل في الثقة بالمثُل الديمقراطية الغربية. ثم، عندما اكتشف أنها زائفة، مال -قليلاً جدًا- نحو السوفيات. وقد ختم ذلك على مصيره.

وتكتب سوزان ويليامز في كتابها المنشور حديثًا، "الخبث الأبيض: وكالة المخابرات المركزية وإعادة الاستعمار السري لأفريقيا" White Malice: the CIA and the Covert Recolonization of Africa: "أعطى الرئيس أيزنهاور الإذن باغتيال لومومبا".

وكانت العواقب مروعة. بعد مقتل لومومبا وتقطيع أوصاله، ولأكثر من ثلاثة عقود، "حكم موبوتو الكونغو بقبضة من حديد -وهو دكتاتور اختارته حكومة الولايات المتحدة ونصّبته وكالة المخابرات المركزية".


والآن، تتصدر الكونغو عناوين الأخبار مرة أخرى -وليس بسبب مخزوناتها الغنية من اليورانيوم التي أرادتها واشنطن بشدة في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، ولكن بسبب الكوبالت والمعادن الأخرى الضرورية للانتقال إلى الطاقة الخضراء.

وتعدين الكوبالت عمل قبيح. فمن بين نحو 255.000 من عمال مناجم الكوبالت الكونغوليين، يتكون ما يقرب من 40.000 من الأطفال.

وهم يعملون في ظروف عمل شبيهة بالعبودية، ويكسبون أقل من دولارين في اليوم. وعملهم المكثف خطير للغاية، وهناك اتهامات بأن "أفريكوم" تشرف بشكل غير مباشر على هذه المناجم.

والسياق مهم جداً هنا. إن جمهوية الكونغو الديمقراطية هي بلد فقير للغاية، ومتوسط العمر المتوقع فيها 60 سنة.

لكن الولايات المتحدة تتوق إلى موارد جمهورية الكونغو وتحتاجها كما فعلت منذ أربعينيات القرن الماضي. ولذلك، فإن كل شيء مباح إلى حد كبير.


مرة أخرى في الكونغو، تجد واشنطن نفسها وهي تزمجر ببلاهة في وجه منافس شيوعي -الصين هذه المرة.

ولكن، على عكس الصراع مع الاتحاد السوفياتي الذي كان قد عزل اقتصاده بأمان عن الرأسمالية الغربية، فإن الصين هي الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة، واقتصادات البلدين متشابكة بشكل لا ينفصم.

وقد تبدو إهانة وتهديد شخص يتعامل المرء معه بشكل منتظم أمرًا فظيعًا مناقضاً للعقل بالنسبة للمراقب العادي، لكنه بطريقة ما أفضل ما يمكن أن يفعله السياسيون الأميركيون في الآونة الأخيرة.


وهكذا، تشتعل واشنطن غضباً من أن يتفوق عليها عدو مفترض -في حين أن الصين، التي كانت مؤخرًا صديقاً لأميركا إلى أن أعلن الرؤساء الحمقى في الولايات المتحدة خلاف ذلك، استثمرت منذ فترة طويلة في إفريقيا، وفي بعض الأحيان قدمت البنية التحتية التي تُنشئها بسخاء إلى الحكومات المحلية.

وعلى عكس الهمجية المالية الغربية، أعفت الصين الدول الأفريقية من القروض عندما لم تتمكن من سدادها!

ولطالما عرفت الحكومة الأميركية منذ وقت طويل طبيعة هذه الاستثمارات الصينية، لكنها في الآونة الأخيرة بذلت قصارى جهدها لتشويهها والكذب بشأنها.


كذب وزير خارجية ترامب، مايك بومبيو، بشأن ميناء في سريلانكا، والذي أعاد هؤلاء الصينيون المراوغون المزعومون استملاكه، كما قال كاذباً، كجزء من "فخ ديونهم" لأفريقيا.

(لم يحدث هذا الاسترداد أبدًا). بل إن الممثل الكوميدي، تريفور نوح، جلد هذه القصة الزائفة، مطالبًا بمعرفة ما الذي سيتم فعله إزاء قيام هؤلاء الآسيويين بإيقاع الدول الفقيرة من أجل سرقة بنيتها التحتية.

وكانت الدعاية الأخيرة في هذا السياق بعض الهراء الذي قيل عن مطار في أوغندا، والذي يُفترض أن الصين سرقته. (لم يحدث ذلك).


للأسف، ما يزال وصف موقف الـ"سي آي إيه" الخبيث تجاه لومومبا، الذي أدلى به الصحفي كاميرون دودو وسردَه كتاب ويليامز، ساريًا حتى اليوم: "بلاده لديها موارد. ونحن نريدها. وقد لا يعطيها لنا. لذلك دعونا نذهب ونأخذها".

وإضافة إلى ذلك، تنظر كبار الشخصيات في واشنطن إلى القارة الأفريقية بأكملها على أنها مسرح لمنافسة "اللعبة الكبرى" مع الصين، وهو أمر كارثي. وسوف يعاني الناس من جميع الجنسيات نتيجة له.


وهكذا، فإن تاريخاً مثل الذي يقدمه كتاب "الخبث الأبيض" لم يكن ليصل في وقت أكثر ملاءمة.

إنه يوضح كيف أن الرئيس الغاني، كوامي نكروما -الذي أطاحت به مؤامرة لوكالة المخابرات المركزية في العام 1966- كان يحلم بولايات إفريقية متحدة.

وفي حين أن واشنطن ضمنت عدم تحقق هذا الحُلم مطلقًا، ما يزال بإمكان الدول الأفريقية التنسيق والعمل من أجل تحقيق الأهداف المشتركة. وتوضح رواية ويليامز تكلفة عدم قيامها بذلك.

اقرأ المزيد من ترجمات

يعرض هذا الكتاب ثلاثة أشرار رئيسيين -مدير وكالة المخابرات المركزية، آلان دالاس؛ والدبلوماسي وراعي الفنون ويليام بوردن (وهو مدير سابق لمتحف مدينة نيويورك للفن الحديث، الذي عزز التعبيرية التجريدية التي مولتها وروجتها وكالة المخابرات المركزية بقوة)؛ والقاتل الفظيع، رئيس محطة ليوبولدفيل لوكالة المخابرات المركزية، لاري ديفلين.

ولكن، خلف هذه الوحوش الثلاثة يلوح طيف إمبراطورية عسكرية قاتلة شاسعة يقودها منظّرون رأسماليون لا يقدّرون حياة الإنسان، إذا قلنا ذلك بعبارة ملطفة، لا سيما إذا كانت تلك الحياة تخص السود أو الملونين أو الشيوعيين.

أول رئيس وزراء لجمهورية الكونغو الديمقراطية باتريس لومومبا - (أرشيفية)


بهذا المعنى، لم يتغير شيء يذكر منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي حتى الوقت الحاضر. وهو ما يجب أن يكون سببا للقلق. وربما يكون كذلك بالنسبة للصينيين، وكذلك للإثيوبيين الذين يجدون بلدهم المزدهر في مرمى النيران الإمبراطورية، تمامًا كما كان في الآونة الأخيرة حال دولة أفريقية أخرى كانت غنية في السابق، ليبيا. ولكن، بخلاف هؤلاء، ينام معظم العالم خلال هذا الأداء المتكرر للمأساة الأفريقية.
ولا ينبغي أن يفعل. لقد ارتكبت وكالة المخابرات المركزية جرائم فظيعة في الخمسينيات والستينيات، وليس في القارة الأفريقية فحسب. وتستشهد ويليامز بالوفاة المبكرة المريبة لشخصيات أفريقية من ذوي الميول اليسارية، وكذلك وفاة الكاتب الأميركي العظيم من أصل أفريقي، ريتشارد رايت، في باريس.

وكانت واحدة من أكثر جرائم القتل خسة التي ارتكبتها وكالة المخابرات المركزية مقتل أول زعيم منتخب للكونغو. وكتبت ويليامز: "كان لومومبا، كما يعتقد مالكوم إكس، أعظم رجل أسود سار على أرض القارة الأفريقية على الإطلاق". ولم يكن مالكوم إكس وحيدا في هذا الحكم.

وهذا هو السبب، كما تلاحظ ويليامز، في أنه بينما اجتمع عملاء وكالة المخابرات المركزية للتفاخر بمآثرهم القذرة، كان رجل وكالة المخابرات المركزية في الكونغو، ديفلين، الذي لعب دورًا محوريًا للغاية في مخططات الإيقاع بلومومبا وقتله، أبقى فمه دائمًا مغلقاً بعناية.


*Eve Ottenberg: صحفية وروائية. آخر كتبها "عقل الطائر".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: How CIA Plots Undermined African De-Colonization