كيف نتعامل مع السنة النبوية؟

"وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (النحل، الآية 44). "أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ" (العنكبوت، الآية 51). "لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ" (الأنبياء، الآية 10). "من كتب عني غير القرآن فليمحه" (حديث نبوي رواه مسلم).اضافة اعلان
ثمة اختلاف واضطراب في التعامل مع السُنّة النبوية. ما الفرق بين السُنّة والقرآن في المنزلة الدينية؟ السنة النبوية، بما هي أقوال الرسول وأفعاله وأخباره، هي في محتواها علوم وحكمة، وأوامر ونواهٍ ووصايا وأخبار تمثل مصدرا علميا، يتلقاه المتلقي بعقله وليس بقلبه كما القرآن، ويؤمن أنه نزل من السماء على قلب الرسول.
أن تكون السنة النبوية وحيا من الله، لا يغير من كونها إنسانية؛ فما يتعلمه الإنسان، والحيوان أيضا، يمكن أن يكون وحيا من الله: "وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ.." (النحل، الآية 68)؛ "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى.." (القصص، الآية 7). فالسنة علم إنساني وحكمة تلقاها النبي و/ أو تعلمها بنفسه، وهي مصدر علمي وليس دينيا؛ بمعنى أنها ذات أهمية علمية وإنسانية في الدين ومسائل أخرى في الحياة والشريعة والحكمة. لكن أن تكون صحيحة في محتواها وصحيحة في نسبتها إلى الرسول بنفس درجة صحة خبر القرآن، لا يعطيها الدرجة الدينية نفسها التي يعطيها المؤمنون للقرآن. فليست مسألة التعامل مع السنة النبوية فقط على أساس صحة نسبتها إلى الرسول أو عدم صحة نسبتها، ولكن في طبيعتها، وكونها إنسانية أم إلهية.
هكذا، وللسبب نفسه، فإن المؤمن يتلو في صلاته متعبدا "وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" (النحل، الآية 8)، ولكنه لا يتلو دعاء الرسول الجميل الخالد: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك عليّ عليك وأبوء بذنبي فاغفر لي".
إن كل ما تحمله ويجمع عليه بشأن السنة النبوية من حكمة وعظمة وسمو وأهمية، وأن الناس يفهمون الدين ويطبقونه بها، لا يجعلها نصا دينيا يتلوه المؤمنون ويتعبدون به، ولا ينقض إيمانهم ألا يصدقوا الخبر الصحيح في سنده، باعتبار أنه رواه البخاري، أن آدم وهب داود ستين عاما من عمره ثم جحد.
وعلى هذا الأساس، فإننا نأخذ السنة النبوية في الشريعة والعبادات والحكمة على النحو المستخدم في الأساليب العلمية المتبعة في الفقه والتفسير والتشريع والتأويل؛ بمعنى أنها مسائل علمية ننشئها بأدواتنا العلمية المنهجية والعقلية. أما الإيمان، فهو تصديق بالقلب لا يحتاج الى دليل علمي ولا يزيده ذلك ولا ينقص منه. وهذا لا ينطبق إلا على القرآن الكريم. إنها مسألة لا يفيد فيها الحجاج العلمي العقلي.. نؤمن أو لا نؤمن.