كيف نسي ضحايا صبرا وشاتيلا؟

علاء الدين أبو زينة لمن يتابع المشهد اللبناني، سوف يندهش من حجم الوقاحة التي ينطوي عليها زعماء المليشيات التي ارتكبت مذبحة صبرا وشاتيلا في العام 1982. في أي نظام عدالة معقول، كانت هذه المليشيات ستُحل، ويحاكم قادتها وكل من يمكن الوصول إليهم من المشاركين المباشرين في جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، بتعريف القانون الدولي والمنظمات ذات الصلة، في حق مدنيين عزل. لكنّ جماعة «القوات اللبنانية» و»حزب الكتائب» وشركاءهم يتحدثون وكأن تاريخهم ليس ملطخاً بدماء الآلاف من الأبرياء. وهم يخطبون بصلافة عن العروبة، والوطنية، واللبنانية، والإنسانية – وبالتأكيد ضرورة أن يلقي لبنان سلاحه ويصبح «واقعياً» في علاقته مع الكيان الصهيوني. ويعرف الجميع صلة هؤلاء التي لم تنقطع بالكيان وانسجامهم معه. في العام 1982، وقت غزو العدو الصهيوني لبنان وحصار بيروت، قاد مبعوث الأميركان، فيليب حبيب، عملية الاتفاق على خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان. وكان من مكونات الاتفاق تعهد الولايات المتحدة الأميركية بتأمين مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بعد خروج المقاتلين. ولم يكن قد تبقى في المخيمات سوى النساء والشيوخ والأطفال والعاجزين العزل. ومع ذلك، تنصلت الولايات المتحدة من تعهدها بحماية المدنيين بمجرد رحيل المقاتلين، مشاركة بذلك في الجريمة. ونكث الصهاينة بالتزامهم وفق اتفاق وقف إطلاق النار، فخرقوه واجتاحوا بيروت، وألبوا عملاءهم على المذبحة ضد الفلسطينيين في المخيمات وأشرفوا عليها وأضاؤا سماء الليل للقتلة. كان ينبغي أن يكون الدرس الذي جاء بكلفة الدم الفلسطيني المراق في صبرا وشاتيلا دليلاً مرشداً لحركة المقاومة الفلسطينية. فمع أن منظمة التحرير الفلسطيني التزمت حرفياً بتنفيذ حصتها من اتفاق حبيب وخرج مقاتلوها بالأسلحة الفردية إلى المجهول، فإنها تعرضت للخديعة بمجرد أن أدارت ظهرها وطُعنت فيه بقتل عائلاتها العزلاء بدم بارد. ومع ذلك ظل القادة الفلسطينيون غير الحصيفين –على الأقل- يثقون بنفس هذه الجهات، بذريعة عدم وجود بديل، ويوفون بحصة الفلسطينيين من أي التزامات من دون أي وفاء مقابل – وآخر ذلك قصة «أوسلو» التي حولت فلسطينيين إلى حراس للعدو وأدوات قمع لتطلعات شعبهم التحررية. ولا يختلف السماح لقوات الاحتلال الصهيونية باغتيال الشبان والمقاومين الفلسطينيين في الضفة وغزة واعتقالهم عن ترك سكان صبرا وشاتيلا للعدو والمليشيات المجرمة في شيء. ثمة دم فلسطيني يراق بسبب تقصير فلسطينيين في حماية مواطنيهم. يقول أحد الجنرالات الصهاينة عن مجرمي المليشيات التي نفذت المجزرة: «نحن الذين دربناهم على حمل السلاح. إنهم ليسوا سوى عصابات همجية في لباس عسكري. وحتى هذا اللباس العسكري كان منا»! وقد انطلقت تلك المليشيات من أيديولوجيا دينية، تماماً مثل «داعش»، لكن أحداً لم يُعاملهم مثلما عومل «داعش» لما في ذلك من تأكيد على أن التطرف ليس له دين. ولم يُخف مرتكبو المذبحة منطلقاتهم وعبروا عنها بكل طريقة ممكنة. من المفارقات أن نفس مليشيات صبرا وشاتيلا هي التي تدافع الآن عن ضرورة انتماء لبنان إلى العرب، وتعلن تحالفها، بالتحديد، مع العرب الذي يُعرف عنهم التعامل من منطلق القبول والود مع الكيان الصهيوني ومسامحته بدم ووطن الفلسطينيين. وبالمقابل، يدعم هؤلاء العرب المليشيات الدموية، سياسياً ومالياً، في الساحة اللبنانية وينسون تماماً تاريخها الذي لم تتحول عنه – قلبيًا أو سلوكياً. ومن الملفت أن أحد المتهمين الرئيسيين في قيادة المذبحة، كريم بقرادوني، كان أرمنياً. وكان من بين الذين ألتقوا بشارون والمسؤولين الاسرائيليين على هامش العزاء في بشير الجميل الذي اغتيل قبل المجزرة بيومين، وكان من الذين وافقوا على المجزرة، وروى في مقابلة كيف حرض شارون المليشيات على الانتقام لمقتل الجميل من الفلسطينيين الذين لا علاقة لهم باغتياله. يعني كون بقرادوني أرمنياً أنه كان يجب أن يكون حساساً بشكل خاص ضد المجازر في حق المدنيين، لأن شعبه تعرض لمثلها وهُجر قسراً. لكن سلوكه ينسجم مع الفكر الصهيوني المتعصب الذي يتذرع بالمذابح النازية لتبرير ذبح الفلسطينيين. ويظل السؤال مطروحاً دائماً حول تسهيل دمج المهاجرين الأرمن في لبنان بينما يتم فعل كل شيء لمنع اندماج الفلسطينيين، الأقرب دماً وتاريخاً وجغرافيا، وحيث يشارك الأرمن في المنع. (مبعث التساؤل ليس عنصرياً ولا طائفياً، وإنما لمحاكمة طبيعية الأشياء أو عدمها فقط). الآن، بعد أربعين عاماً من مذبحة صبرا وشاتيلا التي ما يزال بعض مرتكبيها أحياء، لم يُلاحق أو يقدم إلى المحكمة حتى مجرم واحد من الذين شاركوا فيها. ولم يفعل المجتمع الدولي، والغرب الحضاري، والعرب، أي شيء لملاحقتهم كما يُطالب الآن بشأن الروس الآن في أوكرانيا. كيف يفعلون والضحايا فلسطينيون، تقرر فصلهم تعسفياً من طائفة الإنسانية، فقط لأنهم ضعفاء؟! المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان