"كيف نعيش 100 عام؟"

لا بأس بالمشي في قاع المدينة. بعض الأماكن أو المشاهد تعيدك إلى أيام قديمات، تعتقد أنك نسيتها تماماً. غير أن بريقاً ما وعلى نحو غريب، ما يزال يلتمع في الذاكرة.

اضافة اعلان

تختار المكتبات كعادتك دائماً. تطالع عيناك عناوين الكتب التي تزينت بها الأرفف. روايات نجيب محفوظ ما تزال تجد مكانها هناك. كتب ماركيز تحجز مكانها هي الأخرى. كتب محمود درويش، مظفر النواب، ميلان كونديرا، لويس فارغاس، باشلار، غالب هلسا.. وكتب الطبخ والأزياء والموضة.

جميعها ما تزال هناك.. كأن الحال لم يتبدل منذ خمسة عشر عاماً؟!

غير أن هناك عناوين تستفز فيك رغبة كامنة بالغضب والصراخ: "كيف تعيش 100 عام؟". وأحياناً "كيف تعيش 120 عاماً؟".

تستقصي تلك العناوين الرغبة الانسانية الدفينة في الخلود. البشر بطبعهم ميالون إلى محاولة اختبار اطول عمر يمكن أن يتوفر لهم فوق الارض.

التلذذ بالأكسجين يتربع بصفته المطلب الأغلى بالنسبة الى الانسانية الغارقة في الكراهية حد أذنيها.

السياسة تنطلق من التوق الكبير لتحسين نوعية الحياة.

الحروب كذلك منطلقها الرئيس حب البقاء، رغم ملايين الأرواح التي تزهق في سبيل ذلك الحب!!

وفي سبيل الحياة، نؤسس للموت، أحياناً بقوانين ودساتير تهون عنها أحكام "قراقوش" سيئ الصيت، والمكروه ظلما في المثيولوجيا الشعبية المحكية!

في سبيل الحياة نلجأ إلى الغش والكذب والتزوير، والتبرؤ من الأصدقاء والمعلمين قبل صياح أي ديك!

في سبيل حياة عابرة، كقوس المطر، نؤسس لخراب يدوم، ربما إلى ما بعد زوالنا، وتبقى غصّاته في قلوب كثيرة تلهج بالذكرى، وتجترّ آلامها المزمنة.

ترى من يريد أن يعيش 100 عام؟!

من يطمح إلى اختبار هذا الكم الكبير من الألم؟

من تراه يستطيع أن يتكفل بجميع ما يمر به خلال قرن، يكون خلاله مضطرا في كل لحظة إلى اختبار الفراق الزمني، والوداع الأبدي، وكثيرا من اللوهات والآلام؟

أليس الرقم كبيراً إلى الحد الذي من الصعب علينا أن نوفر له ذاكرة كافية لاستيعاب أحداثه!

كم "جيجابايت" سوف نحتاج من أجل تخزين كل تلك الأحداث الممكنة والمتراكمة عبر خراب قرن كامل؟!

ليس عمراً ممتداً ما نحتاج إليه، على غرار ما يؤكده أستاذنا خالد محادين، ولكننا في حاجة إلى حياةٍ أخرى نكون خلالها قد اكتسبنا جميع مهارات العيش من دون تصادم مع فرضيات وجودنا الدخيل.

حياة أخرى نكون فيها متسلحين بخبرة حياة كاملة؛ نتلافى أخطاءنا وخطايانا، ونسلك خلالها تلك الطرق التي رفضناها يوماً ما.

ليس عمرا إضافيا ما نحتاج إليه، بل حياة جديدة، نرمم خلالها خرابنا الذي وصل إلى الروح.

"كل حياة ونحن بألف خير"

[email protected]