كيف نفهم حادثة اغتيال بوتو؟

ينشغل الرأي العام العالمي فيما إذا كانت بي نظير بوتو قتلت من خلال إطلاق عيارات نارية أم انفجار انتحاري أم كنتيجة للأمرين معا. إن ما يقوم به الإعلام هو أخذ الرأي العام – ربما عن التأصيل لفهم ما حدث، لأن البقاء في دائرة ما حدث يوم الاغتيال يفيد جنائيا لكنه لا يفيد في فهم الحدث ودلالاته.

اضافة اعلان

أردت بهذه المقدمة أن أجلب الانتباه إلى مسائل ربما اختفت وسط غبار التقرير والأخبار حول حادثة القتل ذاتها.

هنالك أربعة أطر تحليلية تساعد بشكل حقيقي في فهم ما حصل في باكستان، وتساعد أيضا في رؤية مستقبل باكستان السياسي:

الإطار الأول: إن ما حصل إنما هو تذكير بحالة الخصومة والصراع ببن مفهومي الأسلمة

والعلمنة. وفي ظل هذا يبدو الصراع بين مفاهيم الحفاظ على التراث الإسلامي للمجتمعات وبين خوض غمار الليبرالية والسير نحو تعميق الديمقراطية وبث القيم التي ترافقها. إن المستظلين بظل الليبرالية ربما غاب عنهم حقيقة الدور الذي يلعبه الإسلام في باكستان سواء سمي سياسيا أو تقليديا أو سياسيا.

الإطار الثاني: يرتبط هذا الإطار بما أسميه بالصراع بين مكونات الدولة الباكستانية، وهي القدرة العسكرية والايدولوجيا والتحالف مع الخارج. هذه المكونات الثلاثة كانت دائما تتصارع بدل أن تعمل معا، مما عزز من ضعف البنية السياسية للدولة، وجعلها في أحيان كثيرة مختطفة من قبل مكون سياسي أو مكونين. وهكذا غلبت حالة الصراع والاحتقان بدل التعايش السلمي البناء. لقد كانت حالة الصراع هذه سببا هاما وراء ظهور ما يسمى بالتنظيمات المسلحة والتي تعزز نفوذها في ظل تجاهل مكونات الدولة الباكستانية الآخرين - القدرة العسكرية والعامل الأجنبي- لمكون الايدولوجيا، ومحاولة التقليل من تأثيره أو ربما الثقة بقدرتهم على السيطرة عليه وتحديد مدى تأثيره في المجتمع الباكستاني.

الإطار الثالث: يرتبط هذا الإطار تحديدا بالتحدي الذي فرضته ظاهرة ما سمي -بالحرب على الإرهاب-. لقد أشعلت هذه الحرب التي قرر العسكريون في باكستان أن ينضموا لها، وهو الأمر الذي يعزز ما سبق الإشارة إليه من تحالف مكونين من مكونات الدولة الباكستانية. لقد كان هذا التحالف مركزا على المكون الثالث ألا وهو الايدولوجيا، فالإسلام السلفي المتجذر في الباكستان لم يقبل بمثل هذا التحالف فكان التطور المتسارع في ظهور التنظيمات المسلحة التي تستهدف المكون الأبرز في الدولة الباكستانية وهو الجيش، ثم تطور ليبرز على السطح تنظيم "طالبان باكستان" الذي يستعد الجيش الباكستاني لشن حملة عسكرية على مراكزه.

الإطار الرابع والمتعلق في توظيف "الحرب على الإرهاب". فالتيار الذي كان يسيطر على مقاليد الأمور – الجيش- وعبر تحالفه مع الولايات المتحدة سعى لتوظيفها لإضعاف خصومه من التيارات الإسلامية والليبرالية أيضا. اما التيار الليبرالي الذي كانت بي نظير من أبرز دعاته فقد حرصت على توظيف هذه الحرب لإضعاف سيطرة الجيش من جهة وكذلك محاصرة ما تسميه المنتج الإسلامي المتطرف الذي تقدمه المدارس التابعة للتيار الليبرالي الذي يعتقد بالديمقراطية مكونا جديدا للنظام السياسي الباكستاني.

إن التنافس حول كيفية الاستفادة من ظاهرة "الحرب على الإرهاب" قد أسهمت بشكل كبير في إضعاف النظام السياسي الباكستاني من جهة، كما أسهمت، من جهة أخرى، في تغذية روح العداء بين اللاعبين السياسيين في باكستان وأعطت للتنظيمات المسلحة الغطاء الشرعي للعمل في ظل الدفاع عن النفس.

إن الأطر الأربعة تمكننا من تأصيل جذور الأزمة التي دفعت بالباكستان إلى ما نشهده اليوم، وهي نفسها الأطر –على ما يبدو- التي سترسم مستقبل التطور السياسي الذي يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في باكستان الغد.