كيف نقرأ "السعودية 2030" أردنيا

قبل أسابيع قليلة، أعلن ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ما سمي "رؤية 2030" للمملكة العربية السعودية، والتي اشتملت على جوانب اقتصادية واجتماعية وثقافية متعددة، وذات أبعاد استراتيجية يفترض أن تقود حركة تحول اقتصادي واجتماعي  في المملكة لعقد ونصف العقد من الزمن. السعودية في صدارة الدول العربية، ودول العالم، من حيث الارتباطات الاقتصادية والدينية والسياسية والاجتماعية مع الأردن. فالتبادل التجاري مع السعودية هو الأعلى في الميزان التجاري الأردني، والعمالة الأردنية الماهرة هي الأعلى في السعودية منها في أي بلد آخر. كما أن السياحة الدينية، والعلاجية، والترفيهية بين البلدين منتعشة. ولا تحتاج الروابط الاجتماعية والدينية بين الشعبين إلى شرح وبيان. كل هذا يجعل من الاهتمام بما يحدث في السعودية أمرا طبيعيا، ويجعل من دراسة الفرص والتحديات التي يمكن أن تنبثق عن هذه "رؤية 2030" مسألة حيوية بالنسبة لنا هنا في الأردن.اضافة اعلان
من الأمور الواضحة في وثيقة الرؤية -والتي لا تخفى فيها مفردات الطموح وعبارات الحماس- أنك أمام مشروع ضخم يمتلك الكثير من المقومات لكي يوضع موضع التنفيذ. فبالإضافة الى حصولها على موافقة سريعة من مجلس الوزراء السعودي في الخامس والعشرين من نيسان (أبريل) الماضي، فإن وجود الأمير محمد بن سلمان على رأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية واسع النفوذ، يوفر ما يكفي من الدعم المادي، وسلطة القرار للسير في تنفيذ هذه الرؤية. وهذا ما ظهر واضحا في نص الوثيقة ذاتها؛ فهي تتحدث عن كثير من المشاريع المحددة، وبعضها أصبح قيد التنفيذ حتى قبل أن تنشر الوثيقة للرأي العام. فنحن أمام برامج ومشاريع ومؤشرات قياس واستحقاقات بتواريخ محددة، وأرقام اقتصادية هائلة تقدمها وثيقة الرؤية، ما يشير إلى أن هناك قوة دافعة متمكنة خلفها. وكل هذا يدفع إلى إعطاء هذه الرؤية ما تستحقه من الدراسة من قبل مؤسساتنا الاقتصادية الرسمية والأهلية، ومثقفينا وعموم مجتمعنا.
ويبدو أن المملكة الجارة لا تنزعج من قيام الرأي العام الداخلي والخارجي بمناقشة هذه الرؤية. وإذ إن الرؤية نصت على السعي "إلى الدخول في شراكات طويلة الأمد مع الدول الشقيقة والصديقة من أجل التبادل التجاري ونقل المعرفة"، فإن تقييم العلاقة الاقتصادية مع دول الخليج، والسعودية بشكل خاص -خارج إطار المساعدات- من الأمور الضرورية لاستثمار الإمكانات والثروات الهائلة التي تجاوزت حدود بلدنا إلى المحيط القريب. فإدراك الأولويات التنموية لهذا المحيط، والسيكولوجيا المحركة للقرار الاقتصادي والاجتماعي يمكن أن يثمر -أردنيا- فوائد تتجاوز مجرد توريد العقول والأيدي الماهرة الضرورية لتنفيذ مشاريع التنمية إلى صيغ أكثر جدوى وديمومة، مثل الدخول في شراكات إقليمية، وتأسيس صناعات وأعمال تتوافق مع الاحتياجات الإقليمية.
ومن الجدير بالذكر هنا أن الرؤية تحدثت عن قطاعات اقتصادية يمكن أن يقدم الأردن فيها إسهامات مهمة، من مثل الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات، والاتصالات والخدمات الصحية والمالية. ثم هناك جوانب ثقافية واجتماعية قدمتها الرؤية، تحتاج إلى بحث لمدى تأثيرها في المجتمع السعودي والفكر الديني.