كيف يتابع الطلبة دروسهم؟: التعليم عن بُعد في مخيمات اللجوء السوري

أحمد الملكاوي*

عمان- داخل مخيمي الزعتري والأزرق للاجئين السوريين، يتابع نحو 2000 طالب وطالبة من غير النظاميين دروسهم عبر تطبيق واتساب مع معلميهم القائمين على البرنامج التعليمي الذي خصصته منظمة "Relief International" لهؤلاء الطلبة، وذلك بعد إغلاق الغرف الصفية، والتحول إلى التعليم عن بُعد، بسبب تفشي فيروس كورونا.
ويعمل المعلمون حاليا على فكرة خلق صفوف افتراضية عبر الإنترنت، إذ يُزوَّد الطلبة بجدول حصص اعتيادي، ويدير كل معلم حصته في ساعة محددة عبر مجموعة تضم طلبته على واتساب، وفقاً لتوضيح مديرة مكتب الأردن روزان خليفة.
وتزود المنظمة غير الحكومية، التي تعمل بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم الطلبة غير النظاميين المشمولين بالبرنامج بحزم إنترنت لاستهلاك شهري بقيمة تتراوح بين 3 – 5 دنانير للطالب الواحد، تضاف من قبل شركة الاتصال إلى رقم الهاتف المعتمد الذي تم تزويد المنظمة به.
المعلم أحمد ملحم الذي يقيم في إربد، ويعمل في البرنامج التعليمي لهؤلاء الطلبة داخل المخيمات، يقوم بشرح الدروس وتوضيحها لطلبته عبر مقاطع مصورة يرسلها لهم، ويخصص 3 ساعات متتالية يوميا للتواصل مع الطلبة وأوليائهم عبر مجموعة واتساب، لكن قد يتأخر أولياء الأمور في كثير من الأحيان بإعطاء الهاتف لأبنائهم لمتابعة حصصهم، فيغيب الطالب عن النقاش ويضطر المعلم لإرسال التوضيح له مجدداً، كما يقول ملحم، موضحاً أن ضعف الإنترنت في المخيم يعيق التواصل بينه وبين طلبته كثيراً.
الأمر ذاته، يتبعه المعلم السوري محمد الديري المقيم داخل الزعتري، إذ يقوم بتصوير مقطع فيديو للدرس وشرحه، ويكتب فيه أبرز الملحوظات الواردة له على لوح زودته به المنظمة، لكنّ العملية التعليمية تصطدم بمشكلة ضعف الشبكة، ما يعيق وصول المواد المصورة، وهذا يجعل الاعتماد على المحادثات المكتوبة بشكل أكبر، بحسب الديري.
وفي الوقت الراهن، يشكل ضعف الإنترنت داخل المخيمات مشكلة حقيقية أمام الطلبة غير النظاميين والنظاميين، كونها تحول دون دخولهم إلى منصة درسك التي خصصتها وزارة التربية والتعليم للتلاميذ، من أجل مواصلة تعليمهم عن بعد في ظل تعطيل المدارس كأحد الإجراءات الاحترازية للحدّ من انتشار الفيروس، كما يعيق ضعف الإنترنت الاتصال بين الطلبة والمعلمين، إذ يحتاج الطلبة باستمرار لاستيضاح بشأن المعلومات بعد متابعتهم للحصص عبر التلفاز، كما يوضح الديري.
إمكانيات محدودة في المخيمات
نحو 28 ألف طالب وطالبة من اللاجئين السوريين في مخيمي الزعتري والأزرق، يواجهون صعوبات جمّة لمتابعة تعليمهم عن بعد، عقب إغلاق مدارس المخيمين التابعة لوزارة التربية والتعليم، والبالغ عددها 47 مدرسة، بحسب بيانات المفوضية.
الأربعيني السوري مهند شباط، يصرّ على مواصلة أبنائه الخمسة لتعليمهم، معتبرا أن التعليم هو الوسيلة الوحيدة لتحسين حياة أبنائه، رغم ما يواجهونه من صعوبات بسبب تقصير الجهات المعنية بتحسين تغطية الاتصالات في المنطقة.
وفي الكرافان الذي تسكنه العائلة في مخيم الزعتري، يتبادل أبناء شباط الأدوار في غرفة الجلوس لمتابعة دراستهم بهدوء، بعد مشاهدة حصصهم على منصة درسك عبر التلفاز، إذ يتعذر دخولهم للمنصة عبر الإنترنت بسبب ضعف الشبكة، كما يؤثر عليهم انقطاع الكهرباء ليلا، خاصة وأن إحدى بناته أمام مرحلة حاسمة وستتقدم لامتحان الثانوية العامة هذا العام.
ويؤكد اللاجئ أبو رامي المقيم في مخيم الزعتري، أنهم طالبوا مراراً ببناء أبراج لتغطية شبكة الإنترنت منذ سنوات، خاصة وأنّ كثيراً من سكان المخيم من العاملين والطلبة الذين تتطلب دراستهم الجامعية استخدام الإنترنت، لكن دون جدوى.
ويستطرد "شبكة الإنترنت بتمثل أكبر مصيبة للاجئين بالمخيم، من الصعب أن يتواصلوا مع حدا برّا، وطلاب الجامعات معظم دراستهم بتعتمد عليه، والآن صارت التغطية أهم شي ليتعلم طلاب المدارس"، قائلاً إنّ المفوضية تستطيع بناء شبكات تغطية خلال أيام قليلة بالتعاون مع شركات الاتصال داخل المخيم، حتى يستطيع الطلبة متابعة دروسهم إلى حين عودتهم لمدارسهم.
ومن شدّة ضعف الإنترنت، تبدأ محاولات أبنائه الدخول إلى المنصة الإلكترونية (درسك جو) عند السادسة والنصف صباحاً، أملاً بأن يستطيعوا الحصول على المواد المرئية قبل أن يبدأ الضغط على الشبكة لدى بدء عملية التعليم الإلكتروني، لكن محاولاتهم في الصباح الباكر تبوؤ بالفشل أيضاً.
حال أبناء أبو رامي وشباط كحال بقية الطلبة المقيمين في الزعتري والأزرق، والذي يوثق التقرير قصص 10 منهم، حيث أجمعوا على سوء شبكات الاتصال، وأثر انقطاع الكهرباء ليلا على الطلبة الذين يريدون استكمال دراستهم.

اضافة اعلان


لكنّ الناطق باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين محمد الحواري يعتبر أن شبكات الإنترنت والاتصالات ليست مسؤولية المفوضية، وإنما يعود الأمر لرغبة شركات الاتصال، قائلاً أن التغطية لا بأس فيها بالوضع الطبيعي، وفي الفترة الحالية، فإن مشكلة ضعف الإنترنت تعود إلى الضغط الهائل على الشبكات خلال حظر التجوال، مبيناً أن المعاناة يواجهها الجميع وفي كل المحافظات، والمخيم كنقطة تجمع لما يقارب 75 ألف لاجئ، من أكثر المناطق المتضررة من ذلك.
المنصة التلفزيونية غير كافية
تتعارض أوقات دروس أبناء السوري شباط مع بعضها، إذ يتزامن عرض دروس رهف وهي طالبة في الصف الثالث، مع أخويها التوأم في الصف التاسع، ليصبح الدخول إلى المنصة الإلكترونية لإعادة مشاهدة الدروس ضرورة، لكن ضعف الإنترنت يحول دون ذلك، فتلجأ رهف إلى المتابعة مع زميلاتها عبر مجموعة واتس أب، لتعويض ما فاتها، ولإيجاد إجابات لتساؤلاتها، أو تنتظر حتى نهاية الأسبوع لمشاهدة إعادة الدروس التي قُدمت طوال أيام الأسبوع.
وترى رهف أن أسلوب التدريس عبر التلفاز سريع، كما يترك المعلم بعض الأسئلة في المنهاج دون إجابات، قائلة: "بالمدرسة بفهم أكثر، الآنسة بتخليني أعرف إجابة كل سؤال إذا ما فهمته بس التلفزيون ما بقدر أسأل"، هذا الحال جعل رهف تتمنى عودتها للدراسة في الكرفان مع معلمتها وزميلاتها، وإنجاز الواجبات في الغرفة الصفية، لأن التعليم الإلكتروني مليء بالمعيقات.
المشاكل ذاتها تواجه آلاء، الطالبة في الصف الخامس المقيمة في مخيم الأزرق، والتي تضطر إلى تصوير شرح الحصة عبر التلفاز بهاتف والدتها، للرجوع إليه عند الحاجة، رغم أن الجهاز ليس حديثاً، ولا يتسع للاحتفاظ بكل الدروس، لكنها لجأت لذلك لمعرفتها بأنه لن يكون بإمكانها الدخول للمنصة عبر الإنترنت إن احتاجت إعادة شرح ما.
وتقول آلاء: "لو كانت الشبكة موجودة بنركز مع الاستاذ وبنراجع المادة على المنصة، بس هيك ما بنلحق نصور أو نركز".
تصوير شاشة التلفاز طريقة اعتمدها كثير من الطلبة في مخيم الأزرق، وفق ما يقول والد أشواق، الطالبة في الصف السادس، مشيراً إلى أنّ مشاكل الدراسة عبر التلفاز، تكمن في غياب الحوار بين المعلم والطالب، وسرعة الشرح، ويكون الحمل الأكبر على الطالب لاستكمال شرح درسه، هذا ما قالته أشواق التي تحاول أن لا تخسر شيئاً من دروسها: "ما بنقدر نلحق عالإستاذ، وما بنقدر نفهم عليه كل شي، بيعطونا الحل ع التلفزيون وفوراً بتخلص الحصة".
ويشكو زاهر، في الصف السادس من السرعة في الشرح أيضا، ما يشتت تركيزه، ويحاول التواصل مع زملائه في مدرسة المخيم من خلال هاتف والدته، وما يزيد الأمر صعوبة أنّ غالبية المعلمين من خارج المخيم، ويصعب التواصل معهم على خلاف ما يحدث في مخيم الزعتري.
لكن والدة زاهر لا تلوم الوزارة على تطبيق التعلم عن بعد بسبب أزمة فيروس كورونا، لكنها ترى أن التواصل الضعيف بين المعلم والطالب، يؤثر على العملية التعليمية، فما ينقص أبناؤها هو التفاعل داخل الغرفة الصفية.
والأسوأ أن الكثير من العائلات في المخيمات لا تمتلك تلفازاً، يقول المعلم السوري هاشم الذي يدرس الفيزياء في مدارس مخيم الأزرق، وهو في نفس الوقت يتابع تعليم أبنائه الذين يعودون إليه في كثير من الأمور التي لا يفهمونها خلال الحصة التلفزيونية، وهم أكثر حظاً من غيرهم، لأن والدهم المتعلم يستطيع مساعدتهم في فهم ما تعذر فهمه.
ويوضح هاشم أن معظم أجهزة التلفاز المتوفرة في المخيم ليست بتلك الفخامة، وربما لا تتجاوز بضع بوصات، تستخدم فقط لمعرفة ما يدور خارج المخيم من أحداث وأخبار، ومحاولة للتعايش مع الحال الذي وصل إليه آلاف السوريين في المخيم، لكنها تفي بالغرض للطالب حتى وإن تمكن من مشاهدة حصة أو اثنتين أفضل من لا شيء، لكن غياب التواصل الفعال بين الطلبة والمعلمين، بسبب الشبكة السيئة، قد يفقدهم لمعلومات وأفكار هامة، لذلك يسعى هو لتعويض طلبته عن اللقاء بهم بتوضيح ما يسألون عنه على سبورته الصغيرة، كما يجيب على تساؤلاتهم عبر واتس أب.
هذا ما تؤكده المختصة بالشأن التعليمي في منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، رنا قعوار، بأنّ أطفال اللاجئين على وجه الخصوص يعانون من مشكلات تتمثل بعدم توفر الأجهزة الذكية اللازمة للعملية التعليمية، فضلاً عن سوء التغطية وعدم كفاية حزم الإنترنت للتواصل مع المعلمين من خارج المخيم أو داخله، فضلاً عن منصة درسك الإلكترونية.
وسائل لتجاوز العقبات
أم حسين، اللاجئة السورية في مخيم الأزرق، لديها أربعة أبناء على مقاعد الدراسة، تبين أنهم لا يستطيعون مجاراة الحصص التي تبث عبر القنوات المخصصة لذلك، قائلة "لحقوا الدرس بيدرسوا، ما لحقوه ما يدرسوا"، وذلك نتيجة سرعة الشرح، أو التعارض بين مواعيد الحصص بين الصفوف الأساسية والثانوية.
بينما توضح أمين عام وزارة التربية والتعليم للشؤون الإدارة الدكتورة نجوى قبيلات، أنّ هذا الأسلوب الوحيد الذي قد يستطيع الطالب تلقيه في ظل الظروف الحاليّة، مشيرة إلى أن كافة الطلبة في المخيمات وخارجها، بمقدورهم تدارك مشكلة تزامن الدروس عبر قنوات التلفاز درسك1 ودرسك2، من خلال متابعتها نهاية الأسبوع حيث تقوم الوزارة بإعادة كافة الدروس لكافة الصفوف.
وتعمل الوزارة في الوقت الحالي على حصر أعداد الطلبة من قاطني الخيم أو المخيمات، لمعرفة ما فاتهم من الدروس جراء هذه الظروف القاهرة، لاعتماد كراسة تعليمية وملخص للموادّ الأساسية في كافة المراحل، يسهّل تعليمهم قبل البدء بالعام الدراسي الجديد، ويزودهم بأبرز النقاط في الدروس السابقة التي لم يلحقوا بها. بحسب قبيلات.
وتعمل اليونيسف بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم على إيجاد وسائل مساعدة للطلبة، كتوزيع مواد تعليمية مكتوبة، مثل الكراسات التي تلخص أبرز شروحات الدروس للطلبة في مخيمات اللجوء والمناطق النائية التي لا تتوفر فيها الشبكة والأجهزة الذكية، كما ستقوم المنظمة بتوزيع بطاقات إنترنت للأهالي في المخيمين، لمساعدة التلاميذ على التواصل مع معلميهم وتزويدهم بالاستفسارات والمعلومات الواجب شرحها، وفقاً لقعوار، التي ترى أنّ التجربة الأردنية للتعليم الإلكتروني تكللت بالنجاح والتشريف، رغم بعض المعيقات التي ظهرت في وقت من الطبيعي وجود الأخطاء لتداركها في ما بعد.

*بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR