كيف يشارك الناس جميعهم في السلطة

يعتقد كارن روس مؤلف كتاب "الثورة بلا قيادات" أنه حان الوقت لبناء أنظمة سياسية واجتماعية جديدة يشارك فيها جميع الناس بدلا من الديمقراطية التمثيلية، وبالطبع الأنظمة الدكتاتورية الفردية، فالديمقراطية اليوم تواجه أزمة كبرى، مثلها مثل جميع المؤسسات والأنظمة التي تنتمي إلى المرحلة الهرمية الصناعية والتي تواجه تحديات الشبكية. وربما تكون الأنظمة الاستبدادية الراسخة بآليات ديمقراطية كما الفوضى والإرهاب والحروب الدينية من تجليات هذا الفشل أو التحديات التي تواجه النظام السياسي العالمي.. وحتى في أنظمة وبلاد ديمقراطية عريقة مثل بريطانيا بلد المؤلف وأوروبا والولايات المتحدة،  فإن السياسة تخضع لمصالح الشركات والكارتلات، .. وتمخضت العولمة السائدة اليوم عن فجوات اقتصادية واجتماعية كبرى وموجات من الفقر والبؤس التي شملت مليارات البشر، وتتعرض الأعمال والموارد لتهديد غير مسبوق. هل يمكن أن يتولى الناس جميعهم السلطة؟اضافة اعلان
ثمة فرصة واقعية اليوم تتيحها الشبكية ليشارك الناس جميعهم في التأثير في السياسة واتجاهات الإنفاق العام، إذ يمكن اليوم بناء جدالات حول التشريعات وسائر الشؤون المؤثرة في حياة الناس، وأن تكون القرارات مستمدة من مشاركة أوسع بكثير من المجالس التمثيلية المنتخبة، لقد أصبحت العودة إلى الناس جميعهم ممكنة تقنيا، وأكثر ضرورة في ظل الأزمات والتحديات التي تعصف بالمجتمعات والدول، وقد جرت على سبيل المثال في إحدى المدن البرازيلية نقاشات حول موازنة المدينة شارك فيها عشرات الآلاف من أهل المدينة.
لقد تكشفت العولمة ونهاية الحرب الباردة عن وعود وقيم وضرورات جديدة، ولكن ثبت أنها قيم على أهميتها لا يمكن تحقيقها بالأدوات والمنظومات القائمة والتي أنشأتها معطيات سابقة لم تعد موجودة، وبات واضحا كما يقول كارن روس أن نظام احتكار السلطة من قبل الأقوى كما في الأنظمة الاستبدادية الفردية يمتد إلى الأنظمة الديمقراطية،  ففي الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال تتفوق جماعات الضغط والشركات على مجالس النواب المنتخبة وتهيمن عليها، وأظهرت الأزمة المالية العالمية في العام  2008 عجز النظام العالمي السائد عن إدارة شؤونه وأزماته المتغيرة، بل إنه نظام يضيف الفساد إلى العجز، فقد أظهرت الأزمة والأحداث والمعلومات المتسربة أكثر بفضل الشبكة أن الاغنياء يسددون ضرائب أقل من الفقراء.
وفي المظاهرات التي جرت في نيويورك رافعة شعار "احتلوا وول ستريت" لم يطالب المتظاهرون بقادة جدد وسياسات جديدة كما هي العادة في التظاهرات والاحتجاجات السياسية في الغرب، لكن المطالب كانت حوارات وقرارات شاملة للجميع، وثقافة قائمة على التعاون والتشارك، فلم تعد عمليات انتخاب قادة يجتمعون في غرف مغلقة تعبر عن ولاية المواطنين وأن الأمة مصدر السلطات، وكما أن ديوك الحبش لن تصوت لمصلحة عيد الشكر، أو الخراف لعيد الأضحى فإن المؤسسات القائمة لن تصلح نفسها ما دام واقعها القائم يعكس مصالحها ومكاسبها، ولم يعد مؤمّلا ان تؤدي السياسات الحكومية إلى حل مشكلات جذرية مستعصية مثل التغير المناخي أو التلوث أو الاغتراب الجماعي.