كيف يمكن "إعادة ضبط العولمة" برؤية جلالة الملك؟

لنعترف في "إعادة ضبط العولمة" بأن بلداً واحداً بمفرده، لا يمكن له أن ينجح، لأن إخفاقَ بلدٍ واحدٍ هو إخفاقُنا جميعاً. بهذه الكلمات أضاء الملك عبدالله الثاني على مفاهيم عميقة في مقابلة له مع صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية ليعيد تعريفا أشمل وأعمق بالمواطنة العالمية، ولم يكتف بذلك فحسب، بل أكد جلالته ان علينا إعادة تشكيل المؤسسات الدولية وبناء مؤسسات جديدة أينما دعت الحاجة وعلينا أن نضع خلافاتنا جانباً وأن ندرك أن خصومات الأمس لم تعد تعني شيئاً في مواجهة هذا التهديد المشترك.اضافة اعلان
وليست هذه هي المرة الاولى ان يصدّر الأردن الصغير الفقير في موارده المادية، والغني بخبراته وموارده البشرية واقتراحاته ومبادراته للعالم اجمع، فلا داعي لتعداد ذكرها هنا.
ويتضح اذن، انه لم يعد هناك نحن وهم، لم نعد منفصلين، بل جميعنا في مركب واحد مصممين أن نخرج من هذه الأزمة بسلام. وان ما يحدث في العالم في مواجهة الكورونا لا بد ان يعكس كيف أصبح العالم قرية واحدة وان مشاكله مترابطة. وان مدى وعينا بات يقاس بحقيقة انسانيتنا المشتركة وكيف يجري التعاون العالمي لاكتشاف حلا لهذا المرض، وهذا يدل باننا أصبحنا نرى أبناء جنسنا كأعضاءٍ لعائلةٍ إنسانيةٍ واحدةٍ.
ويعلق جلالته بأن لحظات الوحدة التي تبعت هذه الأحداث، كمثيلاتها التي واجهناها أيضاً على مر السنين، لم تدم طويلاً لتدفعنا إلى إعادة التفكير بأنظمتنا الدولية بشكل جذري. وفي الكثير من الأحيان، كانت استجاباتنا تأتي على شكل حلول مؤقتة قصيرة المدى، لا ترقى للإمكانيات التي يمكن تحقيقها باستخدام التكنولوجيا الحديثة.
اذن لا بد من "إعادة ضبط العولمة"، ولكن هذه المرة، علينا أن نركّز على تطبيقها على النحو الصحيح، لنصل إلى التكامل في عالمنا من جديد، بحيث يكون هدفنا المحوري هو تحقيق المنفعة لشعوبنا، وأن نسعى إلى إعادة ضبط العولمة لتعزيز وبناء القدرات في بلداننا، وللتعاون الحقيقي فيما بيننا، عوضاً عن التنافس، ولنعترف في إعادة ضبط العولمة بأن بلداً واحداً بمفرده، لا يُمكن له أن ينجحَ، لأن إخفاقَ بلدٍ واحد هو إخفاقُنا جميعاً. وبهذا التّوجّه الجذريّ الجديد فقط نسنطيع أن نحمي انفسنا من شرور الخلافات المُزمنة، العرقيّة منها والدّينيّة. وبإشراق أنوار هذا الوعي على اننا شعب واحد، ستتمكن البشرية أن تتجنّب أشكال الصّراع التي هيمنت على التّنظيم الاجتماعيّ في الماضي، وتبدأ في تعلّم سُبُل التّعاون والتّوافق.
ويؤكد مجددا بأن كورونا هو تهديد للجميع،: "فعلينا أن نقوم بما قد يتعارض مع ما اعتدنا عليه، علينا أن نضع السياسة والسعي إلى الشعبية جانباً، علينا أن نتقارب وأن نعمل معاً، ولمواجهة هذا التهديد الأوحد، علينا أن نوحّد هدفنا وتركيزنا لتصبح غايتنا بقاء وسلامة البشرية في كل مكان".
وهذا التفكير بحد ذاته مدهش ومثير في الكيفيّة التي ينظر بها عدد غفير من النّاس إلى أنفسهم، مما يطرح أسئلة جوهريّة عن ماهو الدور الذي خُصص للمجموعة البشريّة عامّة في التّخطيط لمستقبل كوكبنا الذي نعيش عليه. ولأن تقدّم البشرية لم يكن على حساب فرديّة الإنسان، بل من خلال وعينا الجماعي، اتّسع مجال التّعبير هنا عن القدرات الكامنة في كلّ إنسان. ولأنّ علاقة الفرد بالمجتمع علاقة تبادليّة، فإنّ التّحوّل المطلوب الآن يجب أن يأخذ طريقه من خلال وعي الفرد وتركيبة المؤسّسات الاجتماعيّة في آن معًا، عندها سنتمكن من تحقيق تنمية عالمية. وما ذلك الهدف – في هذه المرحلة الحاسمة من التّاريخ – إلاّ إرساء دعائم متينة ودائمة يمكن أن تتشكّل على أساسها بالتّدريج حضارة عالميّة.
في الحقيقة، ان مقابلة جلالته، تجعل كل شخص فينا أن يتوقف ويتساءل كيف ان الازمة وفرت فرصا كثيرة لتقديم حلول الفقر والبطالة والهدف والمغزى من حياتنا. وكيف ان خدمة البشرية تمنح للحياة قيمة ومعنى. "فالإنسان اليوم هو الذي يقوم على خدمة جميع من على الارض." والظّروف التي نمر بها ماهي الا مرحلةٌ طبيعيّةٌ من مراحل التّطوُّر العُضْويّ الذي سيقودنا في نهاية الأمر، إلى وحدة الجنس البشريّ ضمن نظامٍ عالمي.