كيم أون، وليس ترامب، هو الذي أجبر أميركا على القدوم إلى طاولة المفاوضات

الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم جونغ أون - (أرشيفية)
الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والكوري الشمالي كيم جونغ أون - (أرشيفية)

ديف ليندورف - (كاونتربنتش) 12/3/2018

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

لست معجباً بالدول البوليسية ولا بالحكام المستبدين، سواء كانوا في روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية أو قيد التكوُّن هنا في الولايات المتحدة. ولكن دعونا نكُن نزيهين على الأقل إزاء ما يمكن خلف الأخبار التي تقول إن الرئيس ترامب قد وافق على الاجتماع بزعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أيل، الرجل الذي كان يصفه بـ"السمين" و"رجل الصاروخ".اضافة اعلان
كانت وسائل الإعلام الأميركية في الولايات المتحدة تسرف منذ بعض الوقت في إهالة المديح على ترامب، مدعية بأن "عقوباته الصارمة"، والتحركات العسكرية المهددة حول شبه الجزيرة الكورية، وحديث البيت الأبيض المسرب عن توغلات "تدمي الأنف" في كوريا الشمالية، أو التهديدات بتدمير البلد، هي التي أجبرت كيم على الموافقة على المشاركة في المباحثات.
لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً. ومع أننا قد نأنف من الاعتراف بها، فإن الحقيقة هي أن ما دفع المفاوضات كان إصرار كيم العنيد في وجه العقوبات والمقاطعات والتهديدات الأميركية، وعلى اختبار وتطوير ترسانة نووية موثوقة من الرؤوس الذرية والحرارية، وإظهار أن لديه صواريخ تستطيع الوصول إلى أهداف أميركية، والتي ربما تشمل الولايات الثماني والأربعين الجنوبية.
بوجود نحو 60 سلاحاً نووياً يمكن إيصالها، وفقاً لبعض التقديرات، فقد وصلت كوريا الشمالية بقيادة كيم إلى النقطة التي تجد فيها الولايات المتحدة أن الطريقة الوحيدة التي تأمل فيها بتقويض إنجازاته هي شن حرب شاملة ضد الشمال، بما لديه من جيش من مليون جندي ومدفعية مخفية في الأرض. وحتى عندئذٍ، فإن فرص القيام بذلك من دون إطلاق كوريا الشمالية بعضاً من رؤوسها النووية على الأقل سوف تكون ضئيلة.
يجب أن يُعزى الفضل أيضاً إلى رئيس كوريا الجنوبية، مون جيه إن، الذي تجاهل أميركا بمد يده إلى كيم، أولاً عن طريق توجيه دعوة لكوريا الشمالية للمشاركة في الأولمبياد الشتوية التي أقيمت واختتمت بنجاح في كوريا الجنوبية، بما في ذلك إشراك فريق كوري نسائي جنوبي وشمالي في لعبة الهوكي، ثم عرضه الاجتماع في الشمال مباشرة مع كيم، والذي أوسل مون بعده مباشرة دعوة كيم إلى الاجتماع بالرئيس ترامب.
وقد عارضت الولايات المتحدة دعوة الأولمبياد، وكانت تضغط على مون حتى لا يلتقي بكيم، محاولة تقويض الاتفاق من خلال زيادة العقوبات على الشمال، لكنها أخفقت. وطوال كل ذلك، وسط دعوات من كوريا الجنوبية ومن كل من الصين وروسيا لأن تتفاوض الولايات المتحدة مع كيم، ظلت إدارة ترامب تطالب، مثل نظيراتها من قبل، بأن تتخلص كوريا الشمالية من رؤوسها النووية قبل أي مفاوضات -وهو مطلب تعرف أنه يعني عدم قيام مفاوضات.
الآن، فجأة، وقد ووجهت بعرض حقيقي لمفاوضات تجري بين رئيسي الدولتين وجهاً لوجه، وبعرض قيل إن كيم قدمه بالتخلص من أسلحته النووية إذا أعطت الولايات المتحدة ضماناً بعدم محاولة الإطاحة بالحكومة الكورية الشمالية، وجدت الولايات المتحدة نفسها مجبرة على القبول.
تلك هي القصة الحقيقية هنا.
منذ وضعت الحرب الكورية أوزارها بهدنة مسلحة ما تزال قائمة في 27 تموز (يوليو) من العام 1953، رفضت الولايات المتحدة التفاوض من أجل التوصل إلى معاهدة سلام حقيقية، تاركة تلك الحرب الوحشية مستمرة فعلياً على مدى 65 عاماً مدهشة. وخلال كل هذه الفترة، حافظت الولايات المتحدة على ما يرقى إلى احتلال لكوريا الجنوبية، داعمة في البداية سلسلة من الدكتاتوريين الوحشيين، ثم ببساطة ممارسة نوع من السلطة العسكرية على القوات العسكرية الكورية الجنوبية، كنوع من المجاملة لقرار مجلس الأمن 1950 الذي جعل الأمم المتحدة القائد الأعلى لقوات الأمم المتحدة التي أرسلت لمحاربة جيش الشمال.
كان ذلك صفقة كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة، التي كانت قادرة على الاحتفاظ بتواجد عسكري لنحو 30-50 ألفا من جنودها، وقواعد بحرية وقواعد جوية -والآن سلسلة من صواريخ نظام "ثاد" المضادة للصواريخ في كوريا الجنوبية، تحت قيادتها، على شبه الجزيرة الكورية بالقرب من كل من الصين وروسيا، وللمساعدة على تبرير الموازنات العسكرية الهائلة المستمرة، حتى بينما تنضم الصين إلى المجموعة الاقتصادية العالمية وبينما كانت روسيا تتخلى عن الحرب الباردة.
ولكن، الآن وقد أصبحت كوريا الشمالية بوضوح قوة نووية، على الأقل على قدم المساواة مع باكستان والهند، بل وربما الاقتراب من إسرائيل، على الأقل في عدد الرؤوس النووية التي تمتلكها، فإنه يتم إجبار الولايات المتحدة على التخلي عن الحرب كخيار لنزع السلاح النووي من ذلك البلد.
ومع غزو الولايات المتحدة لكل من ليبيا والعراق، تم فرض واقع على دول العالم الموضوعة على قائمة "القمامة" الأميركية، والتي تقول "إنك إذا لم تكن تمتلك أسلحة نووية، فقد انتهى أمرك". وكان الزعماء الكوريون الشماليون، بمن فيهم والد كيم، قد اعتنقوا ذلك الدرس في القلب وعملوا باجتهاد لتطوير أسلحة نووية بينما يستطيعون.
والآن، بينما البعض في إدارة ترامب يستمعون إلى الضغوطات من زعيم إسرائيل الفاسد بنيامين نتنياهو الذي يدعو إلى الهجوم على إيران التي أبرمت اتفاقاً مع إدارة اوباما السابقة لوقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم في مقابل رفع العقوبات الأميركية، (وهو ما لم يحدث أبداً) فإن الحديث عن غزو كوريا الشمالية آخذ في الاضمحلال. ما هو الفرق: إن إيران، الدولة التي تضم أكثر من 80 مليون إنسان تحت خطر التعرض لهجوم من إسرائيل والولايات المتحدة، وربما السعودية؛ في حين أن كوريا الشمالية، الدولة الأقل من ثلث ذلك الحجم والأكثر فقراً بكثير ليست واقعة تحت ذلك الخطر. الفرق: لدى كوريا الشمالية أسلحة نووية وإيران لا تمتلكها.
في الأثناء، قامت إدارة ترامب، من خلال انتقاداتها وظهورها بمظهر المتجه باطراد إلى التخلي عن اتفاقية إدارة أوباما النووية مع إيران، بتسميم رغبة الاستمرار في التفاوض على الأسلحة النووية مع بلدان مثل روسيا وكوريا الشمالية. وإذا اجتمع ترامب مع كيم، فسوف يترتب على رئيسنا، نجم تلفزيون الواقع الذي يفترض أنه يتقن "فن إيرام الصفقة"، أن يقدم بعض الالتزامات المؤكدة بعدم غزو كيم قبل توقُّع أن يوافق كيم على تفكيك سياسته القائمة الآن بقوة على ضمان امتلاك أسلحة نووية.
ربما سيكون على الولايات المتحدة أن توافق على سحب بعض قواتها المحتلة وقواعدها الأمامية من كوريا الجنوبية، ووقف تمارين "المناورات المشتركة" ذات الصبغة المعادية لكوريا الشمالية مع جيوش كوريا الجنوبية واليابان. ومن المؤكد أنه سيكون عليها الموافقة على إنهاء حالة الحرب مع كوريا الشمالية، وإلغاء النسخة الأصلية من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 84 الذي صدر في العام 1950، والذي خول قوة للأمم المتحدة، بقيادة أميركية، بمقاومة غزو الشمال للجنوب. وسيكون من شأن هذا الاتفاق تحرير كوريا الجنوبية من وضعها الحالي "كمحمية" للولايات المتحدة، وربما حتى تمهيد الطريق أمام إعادة توحيد تدريجية للبلدين في بلد واحد.
من الصعب التنبؤ بالمكان الذي سيذهب إليه هذا كله. ولكن، مع دعوة كيم لترامب للتفاوض على إنهاء حرب البلدين متعددة الأجيال ومع قبول ترامب الظاهري لهذا العرض، من المهم أن نكون واضحين إزاء ما يحدث ولماذا يحدث، وليس افتراض أن التكتيكات المتشددة للبيت الأبيض وشاغله الحالي هو الذي يحرك الأمور.
الدرس الذي تتعلمه البلدان حول العالم التي ترفض الإملاءات الأميركية واضح: إذا كنتَ تمتلك أسلحة نووية، فإنك تُعامل بشكل مختلف عما إذا كنتَ لا تملكها.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Its North Korea’s Kim Jog-un, Not Trump, Who Forced the US to the Negotiating Table