كي تكون قائدا تربويا حقا (3-2)

يقول الشاعر الفرنسي الكبير بول أمبروز فاليري (1871-1945): “المشكلة في أيامنا هذه أن المستقبل لم يعد يأتي كما كان”. بمعنى أن المستقبل كان في الماضي نسخة من الحاضر، لأن التغير كان بطيئاً جداً وقد يموت المرء دون أن يحس به. أما اليوم فالتغير سريع بل متسارع والزمن يبدو قصيراً بمقدار سرعته، مما يجعل الغد شيئاً مختلفاً عن الأمس، وهي إحدى أكبر مشكلات التربية والتعليم، التي تستدعي وجود قيادات تربوية كفؤة لمواجهة تحديات المستقبل وأخطاره.اضافة اعلان
تنبأ القائدان التربويان تومان وديفيس المذكوران في الحلقة السابقة في كتيبهما عن القيادة في القرن الواحد والعشرين بما يلي (بتصرف):
• تناقص ميزانيات التربية والتعليم، مقابل دعم البدائل المدرسية (مثل التعليم عن بعد اليوم).
• طلب متزايد على المساءلة لتحسين نوعية التعليم ولإعداد طاقة عاملة قادرة على العمل بنجاح في العصر التكنولوجي القادم.
• تزايد التوقعات لإعداد الأطفال للعيش في مجتمع تعددي ومضطرب، وذوي حاجات تربوية خاصة كثر، وإلى تعلّم مزيد من اللغات.
• اشتداد الخلاف وربما الصراع بين التربويين حول حاكمية التعليم والمناهج، والمرافق المدرسية الآمنة والمؤاتية للتعلم والتعليم، وأسس القبول في الجامعات، والوصل والفصل بين أنواع التعليم، وأساليب التعليم. ولكنهما لم يشيرا إلى نظريات التعلّم والتعليم اللازمة لتعليم وتعلم جيدين على أهميتها البالغة.
• الضغط من أجل إدخال المزيد من التكنولوجيا في التعليم لتحسين نوعيته، مع الانتباه أن التكنولوجيا نفسها تسهم في توسيع الفروق بين الغني والفقير.
• كانت القيادة في الماضي تدور حول الناس فقط، أي كان الناس موضوعها، ثم أضيفت التكنولوجيا إليها فيما بعد، كما هو حاصل اليوم مما، يوجب على القائد التربوي اكتساب المعرفة التكنولوجية الجديدة بالإضافة إلى الحكمة، والقدرة على الإقناع، والالتزام بالعدل والإنصاف والنزاهة.
• تعليم المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان (وممارستهما).
القيادة نشاط أو عدد من النشاطات المرئية من العاملين /الأتباع في مؤسسة كالمدرسة والجامعة… يلتقون بإرادتهم لخدمة الصالح العام، والعمل معاً في ضوء الحقيقة، فلا ينسى القائد ذلك.
والقائد ليس فوق القانون وليس فوق الأخلاق بل مجسد لهما. والحاجة إلى القائد في ميدان التربية والتعليم أقوى منها في أي ميدان آخر، وهي بالمثال أكثر منها بالحوار والجدال، وإلا فعلينا أن لا نلوم سوى أنفسنا، إذ تخرج التلاميذ والتلميذات في المدرسة، والطلبة في الجامعة ناقصي المعرفة وسيئي الخلق اقتداء بمن قادوهم وعلموهم.
وليكون القائد مؤثراً وفعالاً يجب عليه التقيد بقيود ملزمة كما يفيد جون جاردنر في كتابه عن القيادة، ولكن ليس فعالاً مثل هلتر (أو مثل كيم أون جونج في كوريا الشمالية) إنه بحاجة إلى معايير لازمة لها، يحكم على القائد من خلالها كالقيم أو المبادئ التي يلتزم بها.
وحسب جاردنر هناك خمسة أنواع من القادة يجب استبعاد نماذجهم من القيادة التربوية وهم:

  1. القادة الذين يعاقبون الأتباع.
  2. القادة الذين يعاملون الأتباع بالحسنى. ولكنهم يشجعونهم على الأفعال الشريرة ضد الآخرين.
  3. القادة الذين يجعلون الأتباع يعتمدون عليهم.
  4. القادة الذين يستخدمون التعصب والكراهية والانتقام والتخويف.
  5. القادة الذين يدمرون الكرامة الإنسانية.
    إذا لم يكن القائد التربوي مؤمناً برسالة التربية والتعليم فإن عليه ان يدرك موقعه. وإذا لم يؤمن بالعدل والإنصاف وتكافؤ الفرص فإن عليه أن يتنحى.
    وليعلم القائد التربوي أنه لا يمكن للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان أن تبقى وترسخ في مجتمع لا يفهم مبادئها، أو غير مطلع على الدستور والميثاق والقوانين ذات العلاقة، أو غير مكتسب لمهارات المشاركة المدنية في نشاطات المواطنة، أو غير مؤمن بالمعارضة السلمية.
    إن المدارس والجامعات في بلدنا بحاجة ماسة إلى قادة تربويين يفهمون، ويقدرون، ويحترمون، ويعلمون، ويتمسكون بما ذكرنا.
    لا يجوز للقائد التربوي ولا يحق له الانحياز لتيار أو لحزب معين، سواء بالكلام، أو بالمحاضرة، او بالزي، أو بالإيحاء بتسريحة الشعر، أو باللحية السياسية. يشكل القيام بذلك خيانة للأمانة، واعتداء على حق وحرية التلاميذ والتلميذات في المدرسة، والطلبة في الجامعة في الاختيار.
    لا يعني ذلك أنه يجب استبعاد تعلّم ومناقشة القضايا العامة والساخنة المحلية، والإقليمية، والعالمية، وإنما يعني ترك مساحة من الحرية لهم ليفكروا نقدياً ويختاروا ويقرروا. إنه التزام على جميع العاملين في التربية والتعليم، بما في ذلك نقابتهم وهيئاتهم، فهي نقابات وهيئات مهنية لا سياسية.