لا أحد.. لأجل الأسد

في كل مقابلاته الأخيرة التي باتت تستعصي على الحصر، يُظهر بشار الأسد ثقة كبيرة بالنفس، يُحب أنصاره شخصياً، وليس باعتباره شاغلاً لمنصب رئيس الجمهورية العربية السورية، تصويرها باعتبارها ثقة بنصر قادم، ولربما قريب أيضاً.اضافة اعلان
هذا التمييز بين شخص الأسد وصفته الرسمية يتأتى من حقيقة أن ثقة الأسد اليوم ليست إلا صورة طبق الأصل عن تلك التي عبّر عنها مع اندلاع الثورة السورية سلمياً بمطالب إصلاحية أكثر من ممكنة، لكنه أصر أن الرد لا يكون إلا بالقتل الذي سيستحيل إلى حرب مدمرة لسورية وأهلها؛ فقط حماية للفاسدين في نظامه، ولو على مستوى محافظ، ناهيك عن ابن خاله رامي مخلوف الذي يتحدث أنصار النظام قبل خصومه عن حجم فساده ووالده من قبله. بل وحتى إذا كانت تغيب اليوم عن مقابلات الأسد تلك الضحكات الهستيرية والمستهترة بدماء السوريين خلال خطابه في مجلس الشعب في 31 آذار (مارس) 2011، فإنه يعوضها بـ"نكتة" تثير الأسى عن استحقاقه جائزة نوبل للسلام لجهوده في تدميره السلاح الكيماوي السوري، مجاناً، وفقط بعد استخدامه ضد الشعب وليس أي عدو!
باختصار، لا يرى الأسد في "انتصاراته" فرصة للعودة إلى ما قبل 15 آذار (مارس) 2011؛ تاريخ اندلاع الاحتجاجات في درعا، وبالتالي استدراك خطاياه التي أجهزت على الدولة السورية. إنما هو بإصراره على تخوين كل السوريين الثائرين ووصمهم بالإرهاب، وضمن ذلك مواصلة القتل والاعتقال الجماعيين للمدنيين العزل قبل المسلحين؛ وكذلك إنكار مشكلة اللاجئين، ومحاربة المهجرين حتى بوثيقة جواز السفر، يبدو الأسد ساعياً تماماً إلى العودة إلى يوم 15 آذار (مارس) تحديداً، وبالتالي مواصلة القتل والتشريد والتدمير.
ربما يُغري ذلك بالقول إن الأسد ما يزال، كما كان عشية الثورة، منفصلاً عن الواقع الذي كان يعانيه المواطن السوري منذ سنوات أو عقود؛ سياسياً واقتصادياً. أو أنه على أقل تقدير، إنما بما لا يقل سوءاً عن الافتراض الأول، لم يتعظ من كل مآسي السنوات السابقة. لكن الحقيقة هي خلاف ذلك تماماً؛ الأسد بإصراره على إدامة الحرب في سورية إنما ينطلق من إدراك كامل للمعطيات الحالية على الأرض السورية، ولاسيما غير العسكرية منها.
فبعد قرابة ثلاث سنوات من الحل الأمني الذي دمر سورية، شعباً وأرضاً، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، يدرك الأسد أكثر من أي شخص آخر استحالة تصالح الشعب معه ومع نظامه؛ فلا مجال إلا الإخضاع الأمني والتهجير (ما يفسر إنكار الأسد لحجم ظاهرة اللجوء، واستخفافه بإيجاد حلول لها، أو تقديم مبادرات بشأنها). وبفضل عمى الحل الأمني أساساً، وتالياً عمى الرغبة بالثأر لدى الضحايا وذويهم، مضافاً إليهما عمى فكر تكفيري تحمله بعض الجماعات المقاتلة، يزداد الانقسام الطائفي؛ إذ تُضطر الطائفة العلوية وغيرها من الطوائف أحياناً، تحت الرهبة بشأن مستقبلها، إلى مزيد من الالتصاق بذاك النظام، ولا تملك إلا أن تُقدم شبابها خصوصاً، لاسيما الفقراء منهم، ثمناً لبقاء الأسد!
عشية الثورة السورية، كان تهديد الأسد والمستفيدين من استبداد وفساد نظامه هو: "الأسد.. أو لا أحد". أما اليوم، فإن الممكن الوحيد بالنسبة لهؤلاء، والمطبق فعلاً، هو: "لا أحد، من كل طائفة، لأجل بقاء الأسد"؛ أو مرة أخرى: عاش الأسد.. ماتت سورية؛ وطناً وبشراً.

[email protected]