لا أحد يهتمّ!

هذا الجيل الضائع، تلك المآسي الاجتماعية المترتبة على انتشار المخدرات والتطرف لدى شريحة اجتماعية واسعة من الشباب، واكتظاظ المحاكم بهذه القضايا بصورة غير مسبوقة، كما ذكرنا في مقالة أمس، كل ذلك لا يعني شيئاً لدى الحكومة والمسؤولين!اضافة اعلان
لا أحد – بصراحة - يهتم، وإذا كان هنالك من يقلق في أوساط المسؤولين، فلا يملك الرغبة أو الإرادة في إحداث فرق حقيقي! لأنّ المسؤول نفسه لا يدرك معنى أنّه رجل دولة، من المفترض أن يملك قراراً وإرادة وأن يقوم بمهمة إنقاذ حقيقية!
لا! هو ينظر إلى نفسه بوصفه موظّفاً مطلوبا منه إنجاز بعض الأمور، وغالباً لا يتحرك بمبادرة من تلقاء نفسه. لا يملك الخيال ولا الحلم، ولا يدرك معنى رجل الدولة، لم يفهم سرّ أهمية وصفي التل وجنون الأردنيين به، لم يقرأ عن مشروع عبد الحميد شرف، لم يفهم معنى مدارس الحكم والسياسة، لم يفكّر كيف عبر الأردن منعرجات وجودية في تاريخ الدولة. مثل هذه النوعية من المسؤولين والوزراء، ليسوا هم من يحدثون الفرق، بل هم جزء من الأسباب التي أدت إلى صناعة المشكلة، وهم أنفسهم محبطون تائهون ضائعون مثل جيل الشباب، الذي نتحدث عنه!
جيل الشباب الضائع، الذي نتحدث عنه، هو نتاج الحالة السياسية بامتياز، ليس خارج السياق أبداً، فتدمير الحياة السياسية، وتجفيف قوة النخب القادرة على التفكير والإبداع والإنجاز، كل ذلك سيخلق طبقة مجرّفة، مثل الطبقة الحالية، وتكنوقراطا منزوعا من أي دسم سياسي حقيقي، وربما أطرف شيء أنّ وزارة الشباب، التي أعيدت إلى الحياة، من أجل الاهتمام بجيل الشباب، هي نفسها غائبة عن المشهد، ووزير الشباب، الذي يفترض أن يقود الشباب، لم نره حتى اللحظة!
مقابل الجيل الضائع- التائه، المدمن أو المتطرف من الشباب، ثمة شريحة أخرى منهم لا تقل خطورة عن الأولى، هي شريحة الجيل المنفصل تماماً عن الواقع المجتمعي والثقافي، إما عبر الهجرة أو الحلم بالهجرة إلى الخارج، أو الهجرة الفكرية الذاتية في الداخل.
هذه الشريحة قد تكون أوضاعها الاقتصادية جيدة، لاعتبارات اجتماعية، وربما ناجحة في البيزنس، لكنّها تبدو كأنّها في كوكب آخر تماماً إذا سألت أحدهم عن اسم رئيس الوزراء أو وزير مسؤول أو عن تاريخ معركة الكرامة (مثلاً) أو تعريب الجيش أو عن أي سؤال وطني بدهي؛ فلن يستطيع الجواب.
بالمناسبة، ليس هنالك مشكلة لدى المسؤولين مع هذه الشريحة، بل إن نسبة من أبناء المسؤولين السابقين وأوساط الطبقة السياسية، ممن يدرسون في الغرب، أو مدارس غربية في الأردن، هم من هذه الشريحة الاجتماعية، التي لا تعرف حتى الجغرافيا الأردنية، ولا الجغرافيا الاجتماعية والثقافية!
لا أريد أن يبدو المشهد سوداوياً تماماً، وهو ليس كذلك حقّاً! ففي مقابل هاتين الشريحتين، هنالك جيل من الشباب الرائع المكافح، الذي يدرس ويبادر، ويشارك بمشروعات تطوعية، وهي شريحة عريضة، تكترث بالأوضاع السياسية والعامة، بعضها يشارك في مبادرات لأندية الكتب، وآخرون في مشروعات للعمل الخيري، وغيرهم في نشاطات سياسية وثقافية.
لكنّ مشكلة الشريحة الأخيرة مع الدولة هي إمّا أنّها محاربة أو معزولة لنزوعها الإصلاحي الطبيعي، وإمّا أنّها لا تجد بوصلة أو خطاباً موجّهاً من قبل الدولة يساعدها على رؤية الطريق أمامها، لأنّ الدولة (كما قلنا أمس) هي ذاتها لا تمتلك رؤية وفلسفة وطنية عميقة، وحتى إذا أرادت وضع خطط استراتيجية لمثل هذه الرؤية تلجأ إلى شركات أجنبية!
يكفي إلى هذا القدر، لكنّ الحديث ذو شجون، والجرح مفتوح..