لا أقل من طرد السفير

نعلم تماما أن منطلقات السياسة الرسمية غالبا ما تختلف، وربما كثيرا، عن الوجدان الشعبي الذي يريد أن تكون الأمور واضحة تماما ومباشرة، لكن ما لا نفهمه أبدا، هو ألا يلجأ الأردن حتى اليوم لورقة السفارة؛ سواء الأردنية في تل أبيب أو الصهيونية في عمان! حتى اليوم، ورغم مئات الشهداء في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، يتردد الأردن في طرح ورقة السفير على طاولة الضغط تجاه الاحتلال، خصوصا مع تغيرات واضحة في المواقف الدولية تجاه ما يرتكبه الكيان العنصري من مذابح. إن وجود سفارات متبادلة، إن أسلمنا أصلا بأهمية أو ضرورة خطوة كهذه، لا بد أن يصب في مصلحة الصراع، وأيضا، في مصلحة النضال المقدس الذي يخوضه الأشقاء الفلسطينيون اليوم بدمائهم الطاهرة وأجسادهم العارية، دفاعا عن حقهم في الوجود وفي المستقبل. نفهم، كذلك، أن الأردن يقدم نفسه عالميا على أنه صوت الحكمة والمنطق والسلام في المنطقة، لكن هذا الصوت لا يمكن له أن يتعارض مع أي خطوة أردنية تصعيدية لحقن دماء الفلسطينيين التي تستباح اليوم على آلة الحرب الوحشية الصهيونية، من دون أن تجد خطوات حاسمة لوقفها. على الصعيد السياسي، لا بد أن نقول إن الأردن لم يدخر أي جهد في أن يدين السلوك الصهيوني المتوحش في عدوانه الأخير على الفلسطينيين، وقد حمل الصوت الفلسطيني إلى جميع المنابر العالمية، والعواصم المهمة، وهو ما لا يمكن إنكاره، خصوصا النبرة الجديدة التي يتحدث بها السياسيون عن الكيان. لكن، هل هذا كل ما يستطيع الأردن فعله تجاه قضية تعتبرها عمان أساس السلام والاستقرار في المنطقة؟! نشك في ذلك، إذ ما يزال الأردن دولة محورية في أي جزئية تخص القضية الفلسطينية، وجميع المحاولات، عبر السنوات، للتجاوز على دوره لم تنجح، بل باءت بفشل كبير. من هذا المنطلق ينبغي على عمان ألا تخشى عواقب أي خطوة دبلوماسية كبيرة، كاستدعاء السفير الأردني، أو طرد سفير الكيان، فهي خطوة ستشكل إحراجا كبيرا للكيان الصهيوني الذي استطاعت مقاومة الأشقاء الفلسطينيين تعرية وحشيته وعنصريته وعدم مبالاته بأرواح غير اليهود. تل أبيب لم تكترث أبدا لمعاهدة «وادي عربة»، وها هي اليوم تتعدى على الوصاية الأردنية في القدس، وتدنس المسجد الأقصى بشكل شبه يومي، وأيضا، فهي تنسف جميع التفاهمات والمعاهدات التي تقرر إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران، وتلجأ باستمرار إلى تقطيع الجغرافيا الفلسطينية بواسطة عشرات البؤر الاستعمارية والحواجز العسكرية الدائمة. كل ذلك لا بد أن يقود إلى أنه يتوجب أن يتخذ الأردن موقفا حازما من جميع ما يمثله الاحتلال وسياساته العنصرية، وأن يضع، ليس فقط مسألة السفارتين، بل ومستقبل معاهدة «وادي عربة» جميعها فوق الطاولة! هناك اليوم مذكرة نيابية أمام الحكومة تطالب بطرد السفير الصهيوني من عمان. كل ما يريده الأردنيون أن تتصرف الحكومة بمسؤولية تجاه هذه المذكرة، وأن تلجأ إلى إرضاء شعبها الغاضب من جرائم الاحتلال، والذي يتوق لتقديم أي جهد في معركة الأشقاء المصيرية. اليوم، يتحرك الاحتلال في مساحة شاسعة من الحرية، فيرتكب المجازر تباعا، خصوصا أن صوت الدول العربية الأخرى يكاد لا يظهر. نتمنى أن يأتي الصوت الهادر من عمان.اضافة اعلان