لا انتخابات نيابية هذا العام

لست وحدي من تفاجأ بمعرفة أن المدد الزمنية التي يحددها مشروع قانون الانتخاب للهيئة المستقلة للانتخابات لإنجاز مهمة توزيع البطاقات الانتخابية، وقبول طلبات النقل والاعتراض والترشيح والبت فيها، وصولا إلى يوم الاقتراع، سوف تستغرق 160 يوما؛ أي خمسة أشهر وعشرة أيام في الحد الأدنى، وفي حال عدم لجوء الهيئة إلى صلاحياتها في التمديد الزمني في بعض المراحل المشار إليها. فقد تفاجأ مثلي وزراء في الحكومة السابقة حين سألتهم عن مجموع المدد الزمنية في مشروع القانون، وإن كانوا "حسبوها"؟! وهم من الوزراء الذين ساهموا في إعداد هذا المشروع وصياغته. وأكثرهم تشاؤما قدر المدة الزمنية "بأكثر من ثلاثة أشهر".اضافة اعلان
نحن هنا لا نتحدث عن المدد الزمنية التي تحتاجها دائرة الأحوال المدنية لتجهيز البطاقات الانتخابية لأكثر من مليونين ونصف المليون ناخب، لأن دائرة الأحوال لا يمكنها الشروع في تجهيز البطاقات قبل صدور النظام الخاص بالدوائر الانتخابية، والتعليمات التي تحدد مواصفات البطاقة الانتخابية، ومرورهما بالمراحل الإدارية والدستورية ونشرهما في الجريدة الرسمية.
صدور الأنظمة والتعليمات، وطباعة البطاقات الانتخابية، يحتاجان بعد التدقيق وسؤال المعنيين بين 3-4 أسابيع كحد أدنى، وفي حال أن الأنظمة والتعليمات أعدتا مسبقا، وقبل تاريخ نفاذ القانون. وبحسبة بسيطة، يتضح لنا أن التواريخ والمدد الزمنية التي يحددها مشروع قانون الانتخاب -وهي مدد من المستحيل تقليصها، لا بل هي مرشحة للزيادة- ستدخلنا، شئنا أم أبينا، إلى الشهر الأول من العام 2013 كحد أدنى، هذا مع افتراض أن مجلس الأمة بشقيه، النواب والأعيان، قد أنجز إقرار مشروع القانون بتوافق أو في جلسة مشتركة، وصدرت الإرادة الملكية بالمصادقة على القانون ونشره في الجريدة الرسمية قبل 26/6/2012، موعد نهاية الدورة العادية. وهذا الافتراض مفتوح على كل الاحتمالات.
رئيس الوزراء فايز الطراونة، يتحدث عن مشكلة أخرى غير المدد الزمنية التي يحددها مشروع القانون. إنه يتحدث عن جاهزية الهيئة المستقلة للانتخابات لتقوم بالواجبات والمهمات التي يحددها لها قانون الهيئة وقانون الانتخاب. وقد كرر في أكثر من مناسبة، وأمام جميع الكتل النيابية التي التقاها، أنه سيبادر فورا إلى إرسال الأسماء المقترحة من الرئاسات الثلاث لمجلس مفوضي الهيئة المستقلة إلى الملك فور حلف اليمين الدستورية.
وأعلن أنه لن يتوانى عن تقديم كل ما تطلبه الهيئة لإنجاز مهمتها فورا دون إبطاء، وتحدث بلهجة يفهم منها "إبراء الذمة أمام الله والملك والناس". لكنه يختم أحاديثه بسؤال المليون: ماذا لو قالت لي الهيئة إنها غير جاهزة للقيام بمهامها؟! مستندا، في اعتقادي، على ما تردد نقلا عن خبراء من أن جاهزية الهيئة تحتاج إلى عام. وباختصار الزمن، تحتاج إلى ستة أشهر. وطبعا فإن دعاة تأجيل الانتخابات لا يشيرون إلى أن نفس الخبراء يقولون إن بالإمكان ضغط الزمن إلى أربعة أشهر.
أنا لا أتهم الرئيس الطراونة بنية التسويف والمماطلة، وأظنه سيصدع للرغبة الملكية ويعبد الطريق لإجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن. وأنا لا أشارك المعارضين الذين يتهمون "النظام" بالتراجع عن الإصلاح لمجرد أن د. عون الخصاونة غادر الدوار الرابع، لأن توجهات النظام وخطواته لا يصنعها الرئيس المقيم في الدوار الرابع وحده، ولنا في مشروع قانون الانتخاب نموذجا.
أنا على قناعة أن الملك "يقاتل" من أجل أن تجرى الانتخابات النيابية هذا العام، لأنه يعي جيدا معنى التأخر في الإصلاح، وهو يدفع بقوة لتغيير قواعد اللعبة السياسية والبرلمانية، بهدف إحداث تغيير في أساليب الحكم وإدارة البلاد يعزز من المشاركة الشعبية والسياسية، بمعنى توسيع قاعدة الحكم. وطبعا هناك من يقاوم هذا النهج.
لكن المعطيات التي أمامنا وأمام د. الطراونة تقول لنا أن لا انتخابات هذا العام.

[email protected]