لا بواكي لأموات الزرقاء؟!

"لمّا يهتموا أولا بالأحياء.. حتى يهتموا بالأموات".. عبارة تسمعها مرارا، كلما اضطرتك الأقدار إلى زيارة مقبرة الهاشمية في الزرقاء، التي تعد مقبرة المدينة الرئيسية، إن لم تكن الوحيدة على حد علمي. اضافة اعلان
هذه المقبرة التي تخدم أكثر من 700 ألف مواطن من سكان الزرقاء، تنمو وتتسع بصورة كبيرة، لتحتل المرتبة الثانية بعد مقبرة سحاب في العاصمة في حجم النمو. لكن مقارنة بسيطة بين المقبرتين (سحاب والهاشمية) تكشف البون الشاسع في مستوى الخدمة البلدية للموتى ولمشيعيهم، رغم أن الطرفين يتلقيان ذات الرسوم للقبور وثمن الخدمة البلدية، ناهيك طبعا عن أن مواطني عمان والزرقاء، كما باقي مواطني البلد، يدفعون الضرائب والرسوم البلدية وغير البلدية، ومن حقهم جميعا تلقي الخدمة المناسبة.
مشكلة مقبرة الهاشمية بالزرقاء، والتي لا تنتهي وهي ممتدة منذ سنوات طويلة على حد علمي وتجربتي الشخصية، هي أن مشيعي الجنازة يضطرون إلى حمل جثمان مرحومهم في منطقة غير منظمة أو معبدة، تكون صخرية أو ترابية من دون أي تجهيز، ولو أولي، لممر سيارات أو ممر مشاة، وقد يضطر حملة الجثمان والمشيعون للمعاناة في مسيرهم بين الأشواك والصخور والحفر والقبور لمسافة 200 متر أو أكثر، للوصول إلى القبر المطلوب، وتحمل الغبار والأتربة والإضرار بالأحذية والملابس وما تحتها من أقدام وسيقان!
على مدى أعوام والعديد من الزيارات لهذه المقبرة، تفاجأ بذات المشكلة والأوضاع القاسية على المشيعين وأهالي المتوفين، وكأن الدفن والمشاركة بالتشييع يجب أن يكونا عقوبة للأهل والأقارب والمعارف، تضاف إلى أحزانهم بفقيدهم.
ما يلفت الانتباه بهذه المقبرة أن بلدية الزرقاء تعود بعد امتلاء كل جزء كبير "بلوك" بقبوره وإشغاله كاملا، إلى فتح بعض الشوارع المعبدة حول "البلوك"، لكن وللأسف أن ذلك يتم بعد أن يكون آلاف المواطنين قد عانوا الأمرين خلال دفن أحبائهم في ذات "البلوك". وما يزال السؤال معلقا في رأسي منذ سنوات: لماذا لا يمهدون ويحضرون الطرق ومنطقة الدفن قبل الدفن، لا بعد الانتهاء من الدفن؟! ولماذا لا يلتفت مسؤولو البلدية إلى هذه المعاناة اليومية لمواطنين يدفعون رسوما وضرائب، إضافة إلى دفع ثمن القبر؟
أما عن الطريق إلى المقبرة، وعبر الأحياء المختلفة للمدينة المكتظة بالبشر والحجر، فحدث ولا حرج، ومشكلتها هي الأخرى لا تقل سوءا عن مشكلة المقبرة وبنيتها التحتية، فكثير من الشوارع مليئة بالحفر والتشققات، التي تلحق الأضرار بالسيارات وتتسبب بالمعاناة لراكبيها. وقد شهدت أغلب شوارع وأحياء الزرقاء منذ نحو عامين أو أكثر، حفريات وتمديدات ضمن مشروع تطوير شبكة المياه (مشروع الألفية)، ولم تبادر البلدية إلى إصلاح الشوارع وتعبيدها وردم ما خلفه المشروع من حفر وأضرار، بانتظار الانتهاء نهائيا من المشروع وتمديداته، ولا نعلم كم سيطول هذا الأمر، وكم مركبة يجب أن تتضرر قبل أن يجودوا علينا بإصلاح الشوارع والطرق في هذه المدينة المنكوبة بالخدمات!
نعلم أن بلدية الزرقاء الكبرى، كما غيرها من بلديات تعاني من عجز مالي وظروف صعبة، لكننا نعلم أيضا أن المشكلة المالية لهذه البلديات لم تكن من مسؤولية المواطن دافع الضرائب، بل هي نتجت في كثير من الحالات عن فساد استشرى في تلك البلديات، خاصة عبر توظيف حمولات زائدة من مئات وآلاف الموظفين على مر السنوات، وتراكم فشل إدارات هذه البلديات في إدارة مواردها واستثماراتها، فيما غاب نظام المحاسبة والرقابة الحقيقي من قبل أجهزة الدولة عنها لحسابات ليس هنا مجال مناقشتها! 
لكن ذلك لا يعني أن لا تقدم البلدية وكل البلديات أبسط الخدمات الأساسية لمواطنيها، من دافعي الضرائب، خاصة إن كانت تتقاضى، كما في حالة القبور، ثمنا ورسوما مباشرة لخدماتها.