لا تأسفن على شيء يا أبا نظير

في طفولتي وصباي، كان اسمه "براند نيم"، لكل من يطلب شعرا يعبر عن ضمير الوطن ووجدان الناس. تغنى بتراب الوطن المجبول بعرق الرجال السارين إلى حقولهم في الصباح، وبخطوات النساء "الحصادات"، مثلما تغنى بما تنبت الأرض الطيبة من أشجار ودحنون ومحاصيل.اضافة اعلان
هو، بلا منازع، نايف أبو عبيد، الرجل الذي أسرته لهجة حوران، فاعتمدها في أشعاره منذ تشبب بالوطن والبطولة والحبيبة.
ثمانية وسبعون عاما من التعبد في محراب الوطن، لم يقل "آآآخ" إلا من حرقة عليه، ولا اشتكى إلا لرغبة منه في أن يكون الوطن محجة بيضاء لا يحيد عنها إلا هالك.
هكذا هم العشاق، خصوصا ذلك الجيل الذي تربينا على يديه، والذي تعلمنا منه أن الوطن أكبر من راتب شهري، وأهم من كرسي وزارة نتقلده، بل هو نبضنا ونَفَسنا الذي نتنسم من خلاله حياتنا.
أبو نظير، ظل ناطقا رسميا للحب باسم حوران، وباسم إربد على وجه الخصوص، وهو الذي ولد في بلدة الحصن في ثلاثينيات القرن الماضي، وعلى مدى أكثر من نصف قرن، تغنت الإذاعة الأردنية بقصائده؛ إلقاء وغناء، فيما تعطرت مهرجانات كثيرة بإنشاده، وهو يتلو عشق الوطن من على منابرها التي غطت مساحة الوطن وأوروبا وآسيا
وفي تلك التفصيلات، ظل حبه لمدينته إربد غير قابل للقسمة، يبثها شجونه وهو يرى تحولاتها غير القابلة للتفسير. تلك إربد، حبيبته الأولى، يردد معها "ما الحب إلا للحبيب الأوّل".
قبل أيام قليلة، كتب الزميل المقيم في الولايات المتحدة الأميركية خالد كساسبة على صفحته في "فيسبوك"، أنه هاتف أبو عبيد الذي يتلقى العلاج في أحد المستشفيات الأميركية، وقد هاتفه لتهنئته بعيد ميلاده.
وكشف الكساسبة أن أبو عبيد ما يزال يتمتع بمعنويات عالية في مواجهة سرطان القولون. غير أن ألمه وأوجاعه كانت تتأتى من مناطق أخرى، ولأسباب مختلفة تماما. كان أبو نظير "مكسور الخاطر" وهو يرى البلد الذي تغنى بها تتخلى عنه في مصابه، ليضطر إلى تلقي العلاج في ولاية فلوريدا على نفقته الخاصة، ونفقة أبنائه.
هذا رجل علّمنا كيف يكون حب الوطن، فيا أيها الوطن هلا تعلمنا كيف يمكن أن تضم أبناءك، وكيف يمكن أن تداري آلامهم بحضنك!
أبا نظير.. سوف تبقى شامخا برغم ما سيحدث من سيناريوهات؛ سواء اعترفت بك الدولة ابنا شرعيا للوطن، أو ظل الاعتراف على حاله من قبل الحزانى والمهمشين والحالمين بوطن لا يأكله الفاسدون.
ستظل ملامحك الحورانية عصية على التزوير، سواء رضي الناس أم أرادوا أن يمعنوا بالنسيان.
سنبقى نردد معك "وصية والدك" التي علقها نذرا في عنقك:
"أبوي لما مات وصاني وأمر.. إياك يا ابني تبيع من أرضك شبر
لو وزّنوا بالدر أرضك والحجر.. إياك يا ابني تبيع من أرضك فتر
أرضك نبع خيرات وترابك تبر.. ابذل إلو يعطيك رزقات العمر".
تلك وصية نحفظها عن ظهر قلب يا أبا نظير، فلا تأسفن على شيء.

[email protected]