لا تذبحوا حبيبنا العراق!

التعايش هو السمة الأبرز في حياة الإنسان، ومن ذلك سمي الإنسان إنساناً، لأنه يأنس بالآخرين. ولا يمكن للإنسان السوي أن يعيش على هذا الكوكب معزولاً عن بقية بني آدم، لأن الإنسان ميال للاجتماع والمدنية بطبعه، ومن غير مفهوم التعايش السلمي تكون الحياة عبارة عن غابة مخيفة ومرعبة لا وجود فيها للحب والسلام والبناء والعطاء.اضافة اعلان
والتعايش السلمي هو مصطلح يراد به: القدرة على العيش المشترك، والقبول بالتنوع، بما يضمن وجود علاقة إيجابية مع الآخر؛ أو هو الوجود أو التأقلم المشترك بين مكونات مختلفة في مكان أو وطن واحد.
والتعايش ربما يكون على مستوى الدول أو على مستوى الأفراد داخل الدولة الواحدة.
ويقصد بالتعايش بين الدول "قيام تعاون بين دول العالم، على أساس من التفاهم وتبادل المصالح الاقتصادية والتجارية". وهذا المصطلح ظهر بعد الحرب العالمية الثانية وانقسام العالم إلى معسكرين متقاتلين.
واليوم، هناك العديد من دول العالم العربي بحاجة إلى إحياء أو تنشيط مفاهيم التعايش والسلم والقانون. ومن هذه الدول العراق، الذي صار أهله يحلمون بالأيام الخوالي التي كانت أبعد ما تكون عن التناحر والحروب والتجاوز على الآخرين وحقوقهم.
وضمن السياسات الهادفة لتخفيف حدة التناحر في العراق، أعلنت لجنة الأوقاف والشؤون الدينية النيابية إطلاقها مبادرة التعايش السلمي في العراق يوم الأحد الماضي. وبحسب رئيس اللجنة عبدالعظيم العجمان، فإن "هناك مستفيدين من الأزمة والصراعات الطائفية الراهنة، لتفكيك البلد وبعثرته وتركه متخلفاً في جميع المجالات ومهدور المصالح، وإن حسم ملف التنوع واختلاف الهويات وإدارته بشكل سليم -ليكون مورداً ثقافياً وإنسانياً وحضارياً وتنموياً للعراق- سيشكل الخطوة الأولى نحو الاستقرار".
واليوم حينما تذهب لكل مواطن عراقي وتسأله ما هو حلمك؟ سيكون جوابه: أتمنى أن نعود إخوة متعايشين كما كنا قبل الاحتلال الأميركي!
والسؤال الذي يطرح وسط هذه الأمواج العاتية من الفتن التي تضرب عموم الساحة العراقية: هل الفتنة أو التناحر الحربي (المفهوم المخالف للتعايش السلمي)، هو بين المواطنين العراقيين أم بين غالبية السياسيين؟
لا خلاف أن التناحر أو الخلافات هي بين السياسيين بالدرجة الأولى. وربما انعكست -بشكل أو بآخر- على الغوغاء الذين لا ينتمون انتماءً حقيقياً للعراق، وصار هؤلاء الغوغاء أداة لبعض السياسيين لتنفيذ أجندات خارجية لا تمت لأصالة العراقيين وعروبتهم ودينهم بصلة، وصاروا معولاً للهدم والقتل والإرهاب، وبالتالي ضربوا التعايش السلمي بالصميم!
التعايش ليس شعاراً ترفعه هذه الجهة السياسية أو الدينية أو تلك، وإنما هو سياسة حكيمة ينبغي على السياسيين الحكماء ووجهاء المجتمع وعلماء الدين ورجال الفكر والإعلام وشيوخ العشائر أن يترجموها عبر أفعال وأقوال تؤكد التلاحم المصيري بين المواطنين، ولا تفرق بينهم بسبب الدين أو المذهب أو القومية.
أعتقد أن السياسات الطائفية وانتشار السلاح خارج إطار القوات الحكومية، من أهم روافد الدمار المجتمعي. وعليه، ينبغي أن تكون هناك حكومة قوية وطنية، قادرة على بسط سيطرتها في عموم البلاد. وهذه الصفات غير موجودة في حكومة بغداد اليوم! وهكذا نقول للحكومة والبرلمان والأخيار في العراق والعالم: لا وجود للتعايش مع وجود دولة هشة ضعيفة، ومليشيات سائبة متفلتة.
وفي هذا المقام، لا بد أن نركز على الموقف العربي في نشر أو إحياء ثقافة التعايش بين العراقيين، لأن العراقيين لا يمكنهم أن يكونوا خارج رحم أمتهم الكبيرة، الأمة العربية.
وهنا أنقل لكم قصيدة الشاعر العراقي يحيى السماوي، بعنوان: "لا تذبحوا حبيبنا العراق"، والتي تعبر حقيقة عن حال العراق في هذه المرحلة، إذ يقول:
لا تذبحوا حبيبنا العراق
نصرخ باسم طينه
باسم يتاماه.. مشرديه..
جائعيه
باسم نخله
وعصرنا المثكل في مكارم
الأخلاق
باسم عروبة غدت
دون يد وساق
لا تذبحوا حبيبنا العراق
فلتتركوا مصيره
لأهله العشاق.