لا ترهقوا الدجاجة البياضة بالضرائب

 

ما أزال أتذكر جانبا من التربية المنزلية والمجتمعية التي نشأ جيلي عليها عندما كنت أتلذذ برؤية بعض دجاجات منزلنا والأهمية النسبية التي كانت تعطيها والدتي لدجاجة بعينها والعناية الخاصة وكنا نحيطها بالدفء عندما يحين موعد رقادها على البيض تمهيدا للتفقيس، لإنها كما كانت تقول لي "إنها بياضة".

اضافة اعلان

أتذكر هذا وأنا أرى السهولة والسرعة التي قرر بها مجلس النواب أن يفرض ضرائب جديدة على المواطن وعلى قطاعات اقتصادية معينة، وذلك عندما صوت على فرض ضريبة/ رسم جديد على المكالمات الهاتفية وعلى كل كيلواط من الكهرباء وذلك رغبة من المجلس برفد الأعلاف والثروة الحيوانية.

إذ يعتقد بعض خبراء الاقتصاد والمالية والسياسة، أنه من الضروري فرض المزيد من الضرائب على كل من ينجح، بينما يعتقد خبراء آخرون، أن النجاح يستوجب أنواعا ونماذج من الدعم والرعاية والعناية، لكي يحافظ على وتيرة نجاحه ويستمر برفد الخزينة بالإيرادات بأنواعها المختلفة وليستثمر المزيد ويطور أدواته وخدماته ويستمر في الارتقاء على سلم النجاح.

ويتحمل المواطن خمسة أنواع من الضريبة على فاتورة استهلاكه من الكهرباء وهي: أجرة العداد، فلس الريف، الضريبة الإضافية، رسم التلفزيون، ورسم النفايات، كما يدفع ضريبة بنسبة 5و20% على فاتورة مكالماته الهاتفية.

ويعتبر فرض الضرائب الجديدة من المهام التشريعية الأساسية التي ينبغي أن تخضع للدراسة والتمحيص بأبعادها الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية، ناهيك عن مبادئ العدالة في توزيع الثروة وتحميل الأعباء لشرائح المواطنين المختلفة ضمن النسيج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. 

سبق وحذرنا من تراجع الإيرادات العامة بمعظم عناصرها ضريبية وغير ضريبية، مما يستدعي جهوزية الحكومة بخطة بعيدة عن التسرع أو الانفعال، أو القرارات التي يمكن أن تلحق الضرر بقطاعات اقتصادية هي أحوج ما تكون إلى مزيد من الرعاية.

وقد شعرت بالسعادة لرفض مجلس الأعيان الاقتراح المقدم من مجلس النواب، لكن ما تزال تثيرني فكرة التسرع في فرض الضريبة وروح الفهلوة والشطارة في التعامل مع قضايا أساسية يتحمل عبئها الوطن والمواطن.

تستند المالية العامة إلى الفلسفة التي يتبناها الفريق صاحب القرار الاقتصادي، وقد قرأنا عما أثاره اقتراح تقدم به في إيطاليا أحد الأحزاب والذي يقضي بفرض ضريبة على المهاجرين مقابل تصريح الإقامة ومبلغ يقدمونه ضمانة للبدء في مشروع، حيث وجهت الأحزاب الأخرى للحزب صاحب الاقتراح تهمة العنصرية والتمييز، وأتساءل هنا عن الفلسفة التي يؤمن بها مجلس النواب الكريم.

يحتاج مجلس النواب والحكومة مراجعة تأثر القطاعات الاقتصادية بما يجري حولنا وفي العالم ووضع الخطط اللازمة لحفزها، فالسياحة مثلا تحتاج لخطة عاجلة تخفض كلفها ليصل التخفيض إلى السائح لتحافظ على تنافسيتها، فقد سمعنا وزيرة السياحة تتوقع "تراجع أعداد السياح الأميركيين والأوروبيين خلال هذا العام" وتصريحها "أن الخدمة المقدمة للسائح أحيانا نص كم" وأن "شرط الإقامة الذي وضعته بعض فنادق العقبة خلال الأعياد لا يخدم السياحة المحلية".

فصناعة السياحة دجاجة بياضة وكذلك قطاع الاتصالات وأما المواطن فهو الدجاجة الأولى وما يدفعه من الضرائب يكفيه.

فماذا فعل مجلس النواب وكذلك الحكومة حتى الآن؟

[email protected]