لا تسألوا العرب !

ولا غير العرب على ما يبدو، حسب نتائج قياس الرأي والاستطلاعات العلمية وغير العلمية. فعلى الرغم من أن بعض تلك القياسات تنتج عنها قراءات قريبة من الحقائق المختصة بالجوانب السياسية والإجتماعية والطبية، في الدول الغربية، إن ضمنت سرية إجابات المستطلعين. إلا أن مثيلاتها في الدول العربية لا يمكن التحقق من صدقيتها بسهولة، ليس لجنوح العرب إلى الكذب لا سمح الله، لكننا في واقع الأمر نميل كثيرا إلى الإجابات النموذجية، إن لم تكن المثالية.اضافة اعلان
برنامج “اسألوا العرب” الذي تنتجه قناة MBC، خير دليل على فرضية الفضيلة التي يدعيها العرب في إظهار أنفسهم أمام الآخرين، حتى لو كان التصويت على الإجابات، وهو قياس رأي بشكل أو بآخر، سريا وغير معلن.
ومع أن الزمن لم يمر بعد للحكم على البرنامج الذي أعتقد أنه يشكل نوعا مختلفا من المواد الإعلامية المقدمة، خصوصا على نفس الشاشة، لكن الحلقات القليلة الفائتة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك، بأننا قوم مجاملون جدا في تصوير أفكارنا ومعتقداتنا وآرائنا أمام الناس. نحن لا نقول الحقيقة مباشرة إن خيّرنا بين إجابات محددة، ونحتار في طريقة اللف والدوران حتى نصل إلى ما يقترب من الحقيقة، إنما بمسافة ربما يكون اسمها اللائق هو التحفظ.
البرنامج يطرح أسئلة مفتوحة عن الحياة والآراء والمشاعر، بحيث تختص بالجوانب الاجتماعية العلاقاتية والسلوكية ما بين أفراد المجتمع، والفردية الخاصة ما بين الإنسان ونفسه. لكن لا يخلو الأمر من حشر بعض الأسئلة التي تبدو كأنها تندرج تحت بند الرأي والإحساس، في حين أنها مباشرة تصب نحو المعتقد الديني والسياسي والفكري.
فمثلا حين سألت المذيعة “مايا دياب” المتنافسين ومعهم جمهور العرب المشارك عبر تطبيق “اسألوا العرب”، إن كان ولاء المواطن العربي أكثر للوطن أم للدين أم للقبيلة، جاءت الإجابات المثالية المشرقة بنسبة عالية جدا، في خانة الولاء للوطن (!!!!). يصوت العرب للوطن في نفس الوقت الذي تتمزق فيه دول عربية، وتتشتت شعوبها في أرجاء العالم، ويموت سكانها ذبحا واختناقا وقهرا، من أجل الدين والطائفة والقبيلة!
و في سياق آخر، تلتف أسئلة البرنامج بشكل خبيث، حين تحشر الإجابات في خانات متشابهة الأصول والمنطلقات المتعصبة للأسف، مثلما كان السؤال الجميل حول سبب خيانة الزوج لزوجته في العالم العربي. حيث اختصرت الخيارات في ثلاثة أجوبة، كلها تدين الزوجة وتحملها المسؤولية؛ طبعها أم قلة اهتمامها بنفسها أم عدم اهتمامها بزوجها! ثلاث إجابات وضعها رجل بطبيعة الحال، لم يدن نفسه أبدا باعتباره رجلا متطلبا أو مخادعا مثلا. وطبعا كانت الإجابة الأقرب إلى وجدان العرب هي أن الرجل حين يخون زوجته مع امرأة أخرى، فلأن الزوجة لا تهتم به. والخطورة في الجواب ليس فقط في نسبة اقتناع الجمهور بالسبب، بقدر أنه يشكل بطريقة أو بأخرى توطئة جاهزة ومشرعة للفعل.
لم نصل بعد إلى منطقة التحرر الكامل من العقد البيئية والنفسية، التي تبني أسسا واضحة وصريحة للشخصية العربية، تعتمد عليها دراسات علمية تساعد في تقويمها وتجهيزها لتواجه متطلبات العصور المتغيرة، بسبب أننا حين نقوم بصراحة أنفسنا وغيرنا أمام الناس، نتحرى مجاملة أنفسنا ومعاتبة أطراف خارجية. وحين نقوم أنفسنا وغيرنا أمام أنفسنا، نتحرى مشاعرنا ومتطلباتنا وحساسياتنا. لا مكان للحيادية العلمية في إجاباتنا على الأسئلة المحددة.