لا تسأل!

السؤال الذي وجهته الحكومة لديوان تفسير القوانين، قبل أيام، كان صادما، فالحكومة استفسرت من "تفسير القوانين" إن كان يحق للنائب في معرض السؤال، أن يطلب ذكر أسماء الأشخاص، وإن كان يجوز أن يكون محل السؤال طلب وثائق فقط، وإن كان يجوز طلب وثائق في معرض السؤال.اضافة اعلان
الصدمة لا تكمن في استفسار الحكومة فقط، وإنما في توقيت السؤال والهدف منه، ويتبادر للرائي فورا أن الحكومة ضاقت ذرعا بأسئلة نواب عن أسماء معينة، وطلب آخرين لوثائق في قضايا مختلفة.
قبل التعليق والذهاب لاستنتاج هدف الحكومة من وراء توجيه مثل هكذا سؤال، نتوقف قليلا، لنعيد التذكير بأن دور مجلس النواب رقابي وتشريعي، والدور التشريعي يكمن في مناقشة مشاريع القوانين المحالة من قبل الحكومة للنواب، أو اقتراح قوانين وإرسالها للحكومة، لإعادتها للمجلس.
أما الدور الرقابي فمن أبرز أدواته السؤال والاستفسار، ومن ثم الاستجواب، إضافة لأدوار رقابية أخرى، مثل المذكرات التي لا تأثير لها، وطلب عقد جلسات مناقشة عامة، وأخيرا طرح الثقة بالحكومة.
وللتذكير، سبق أن تم توجيه سؤال من حكومة سابقة للجهة عينها، وطُلب منها إيضاح إن كان يجوز للنائب الاستفسار عن أسماء. فكان الرد بعدم جواز ذلك! الأمر الذي خلق حالة من الضيق، لدى أعضاء مجالس نيابية سابقة، أشعرتهم أن التفسير أفقدهم أبرز دور رقابي، يمكن أن يلعبوه، بيد أن التعديلات التي طرأت على النظام الداخلي لمجلس النواب، أعادت الحق للنواب في الاستفسار من الحكومة، بالشكل الذي يريدونه، وطلب ما يرغبون من أسماء ووثائق.
قبل الدخول في تفسير هدف الحكومة من استفسارها، يتوجب التذكير بأن العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ليست سمنا على عسل، وتبدو العلاقة للمشاهد في أضعف حالاتها، كما أن حجم الثقة بين الطرفين متدنية، الأمر الذي يجعل المراقب يسأل عن توقيت السؤال، والهدف منه، وإن كانت الحكومة تريد من وراء سؤالها ذلك إدامة توتير العلاقة مع السلطة التشريعية، أو أنها تسعى إلى تقليص دور النواب والالتفاف على حقهم، الذي كفله الدستور في السؤال والاستفسار.
ليس الهدف هنا استباق الجواب، الذي سيأتي من ديوان تفسير القوانين، وإن كان متوقعا أن الجواب لن يكون مختلفا عن جواب سابق، حرم النواب من حقهم في السؤال عن أسماء معينة، وطلب وثائق.
شخصيا، لا أعتقد أن توقيت سؤال الحكومة، حول هذا الموضوع بريء ولا أرى سببا وجيها يستدعي طلب مثل هكذا تفسير، في عز العلاقة المتوترة مع المجلس النيابي، والتي تتجلى يوميا بغضب وتهديدات نيابية دائمة، بحجب الثقة عن الحكومة.
كما لا أرى أن نزع صلاحية مهمة من المجلس النيابي، من شأنه تقوية دور المجلس الرقابي والتشريعي، وذلك لا يؤشر على مواصلة عملية إصلاح حقيقي، جوهرها ترك النواب يأخذون دورهم في الرقابة والتشريع، من دون تأثير أو ضغط سواء من الحكومة أو سواها.
صحيح، فلربما حط على مكاتب الحكومة حجم أسئلة نيابية كبير، وربما كان بعضها شخصيا بحتا، وربما زاد نواب، محدودو العدد، من وتيرة الأسئلة عن كل شاردة وواردة، ولكن كل هذا لا يعني، ولا يمنح الحكومة الحق في توجيه سؤال يراد منه الحد من الأسئلة النيابية.
فالحكومة -أي حكومة- التي يتعين عليها الذهاب لمجلس النواب طالبة ثقته، لا يتعين عليها بعد أخذ الثقة، وحصولها على مرادها، أن تبحث عن أدوات لتقزيم دور المجلس الرقابي، وتصبح غير راغبة في إجابة النواب الذين منحوها حق الاستمرار في عملها، على أسئلتهم.
الحكومة، كأنها تقول للنواب: لا تسألوا، لا تستفسروا. وعليكم أن تثقوا بما نقول لكم، وتؤمنوا بما نتحدث به تحت قبتكم، وكفى!