لا تستمعوا لهذه الأصوات

لا تسألوا عن الأردن كيف كان قبل أسبوع، كل شيء تغير، اعتبارا من ذلك المساء الحزين، دخلت المملكة في مواجهة مفتوحة وشرسة مع أعنف منظمة إرهابية عرفتها المنطقة منذ زمن طويل. منظمة تملك جيشا من الإرهابيين، وسيلا من الموارد، وتتحكم بمساحات واسعة من الأراضي المتاخمة لحدودنا. منظمة تعلن، وبعد جريمتها البشعة بحق الشهيد معاذ الكساسبة بأنها لن تتردد بالضرب في قلب عمان، وليس مستبعدا أن تحاول فعل ذلك.اضافة اعلان
ومن جانبنا صار لنا حساب خاص مع "داعش" يتعدى حدود التحالف الدولي علينا أن نصفيه. ولا يوجد هناك ما يبعث على الاعتقاد بأن المنطقة من حولنا تتجه نحو الاستقرار؛ الصراع في سورية بلا أفق للحل، والحسم في العراق ليس واردا في وقت قريب. المخاطر في ازدياد، وحالة الاستقرار التي نعيشها تواجه تحديا غير مسبوق.
أول ما نحتاج إليه في هذه المرحلة، أكبر قدر ممكن من الحكمة والتعقل. الردود المنفعلة ستجرنا إلى خيارات كارثية. ينبغي أن تكون خطوات محسوبة، ولا نتحرك تحت الضغوط، فلسنا في عجلة من أمرنا، الزمن لصالحنا، وطالما ربحنا كل الجولات مع الأعداء.
وأهم ما نحتاج إليه حاليا اغتنام الفرصة السانحة، لبناء أوسع وأعرض تحالف وطني خلف الدولة، تحالف يضم الجميع ولايستثني أحدا. لا تستمعوا للأصوات التي تعالت في الأيام الأخيرة استبعاد هذا الطرف، وتجريم ذاك. الحرب المفتوحة مع الإرهابيين وأنصارهم بحاجة لجهد ويقظة كل مواطن أردني.
لسنا بحاجة إلى مزيد من الأعداء، يكفينا الموجود، نحتاج لكل حليف أينما كان، حتى ولو لم نكن على اتفاق كامل معه حول شكل المرحلة ومهماتها.
المرحلة الجديدة تستدعي سياسات مختلفة ومقاربات استثنائية؛ الأمني والسياسي وكيفية التوفيق بينهما، مشاكل الاقتصاد، وتحديات الحياة لفئات شعبية واسعة. هناك ثغرات كبيرة ينبغي العمل على سدها. المواجهة تحتاج لجبهة داخلية صلبة وفولاذية، تحمي ظهر المؤسسة العسكرية والأمنية. سياسات الإقصاء لاتنفع، ودعوات الانتقام من قوى سياسية أردنية لا تخدم حربنا.
المسؤولية بالطبع لا تقع على عاتق الدولة ومؤسساتها، بل على القوى السياسية والمدنية والنقابية والطلابية والنساء في مجتمعنا. كم أخطأت الأحزاب اليسارية والقومية والإسلامية بغيابها يوم الجمعة عن مسيرات الغضب الأردني. لقد عزلت نفسها عن ملايين الأردنيين المجروحين من جريمة الإرهابيين. لا يمكن لهذه القوى أن تستمر بهذا السلوك، عليها أن تكون في خندق شعبها، وخلف جيشها وقواه الأمنية.
لكن ولكي نتمكن من بناء الإجماع الوطني المطلوب لمرحلة خطرة وحساسة كهذه، ينبغي التفكير بتغييرات واسعة في هيكل الدولة. من الناحية العملية، نحن في حالة طوارئ طويلة وصعبة، لا نريد معها أن نخسر ما تحقق من منجزات في مجال الديمقراطية والحريات العامة، بل المزيد من الإصلاحات.
لكن مقاربة شديدة التعقيد تحمي الاستقرار الداخلي، وتحشد الطاقات في مواجهة الإرهاب، وتواصل عملية الإصلاح المتدرج في نفس الوقت، تحتاج لفريق سياسي جديد، وأداء مختلف على جميع المستويات.
بصراحة نخبة الدولة بدت في الأزمة الأخيرة متخلفة بدرجات عن وعي الأردنيين، وأصالتهم. الأردنيون بعد معاذ الكساسبة يستحقون فريقا يليق بتضحياته، وعلى قدر شجاعته، وشجاعة الأردنيين التي تجلّت في أسبوع التضامن مع الشهيد، ومن قبل مع الأردن، ومليكه.