"لا تسرع..الموت أسرع"


العبارة التي  كانت رائجة الاستخدام عندما لم تكن أعداد السيارات في الأردن  تتجاوز عشرة في المئة مما هي عليه اليوم، في تلك الأيام كان السائقون وأصحاب سيارات الركوب العمومية والخصوصية والباصات وحتى سيارات النقل المتوسط والشاحنات يدونون في أماكن مختلفة على أجسام سياراتهم عبارة تقول "لا تسرع..الموت أسرع". لتلك العبارة إيقاع وجرس يجعلها تبدو كإحدى الإضافات المريحة للمركبة. أحيانا تراها على التابلوهات وأخرى على الأجزاء الخلفية للمركبات إلى جانب عبارات أخرى  بعضها يتعلق بزهو صاحب المركبة بمركبته وأخرى تكشف عن هويته وخفة دمه وتدينه أو انتمائه وشخصيته. اضافة اعلان
اليوم تقلصت أعداد المركبات التي تحمل على أجسامها عبارات حول خطورة السرعة...والعودة سالما لحساب آيات وأحاديث نبوية شريفة وأدعية وعبارات وحكم ومقولات من مثل " سيري فعين الله ترعاك" أو "عين الحسود فيها عود" وغيرها من العبارات والمقولات المعروفة والمبتكرة. بعض المركبات التي تضع على مؤخرتها سؤال "كيف ترى قيادتي؟" مضافا إليها رقم الهاتف، تثير الانتباه ليس من غرابة العبارة بل من مستوى التهور والخطورة التي تميز مثل هذه المركبات وسائقيها.
لقد خطر ببالي مرارا أن أهاتف الأرقام المدونة على سيارات النقل والنضح والقلابات وباصات الكوستر وسيارات التاكسي الأصفر التي تقف وتنعطف بصورة مفاجئة لتلتقط راكبا أو لتناور بين المسارب المكتظة وقت الذروة وتسير بعشوائية وجرأة تخيف كل من يقترب من خط مسارها لأقول للسائق أو من يرصد سلوك القيادة، بأنني لا أرى قيادة بل أرى كوارث ومصائب ومصائد موت متحركة على الطرقات.
الوحيد الذي نتوقع  منه أن يسرع دون الخوف من الارتطام والحوادث ومخاطر الطريق التقليدية هو الباص السريع الذي تهيأنا لاستقباله منذ العام 2009 وحجزنا له المسارب الخاصة واستمعنا إلى تصريحات إدارات العاصمة المتوالية وهم يشرحون لنا الخطط والمسارات والمزايا التي سيوفرها لنا الباص الذي كان سيباشر نقل مئات آلاف الركاب من وإلى أعمالهم ومقاصدهم في  المناطق الأكثر ازدحاما وجاذبية.
اليوم وبعد أن هرمت الأشجار التي جرت زراعتها على جنبات المسارب التي اقتطعت من شوارعنا الضيقة قبل ما يزيد على ثماني سنوات لا وجود للباصات السريعة التي وعدنا بها بالرغم من تجدد العمل التحضيري عند بعض الجسور والتقاطعات. الحديث عن المشروع الذي لا يعرف أحد عن الأسباب  الحقيقية لتوقفه ولا المسوغات الجديدة لإعادة إحيائه يعتريه الكثير من الغموض. في حديث عدد من المدراء الميدانيين للمشروع الذي يقال بأن التهيئة لمرحلته الأولى ستنطلق في الربع الأول من العام القادم بحيث يخدم عند اكتمال بنيته التحتية عددا محدودا من مناطق العاصمة الأكثر ازدحاما.
السؤال الذي يدور في أذهان العديد من المواطنين يتعلق بمصير السيارات ووسائل النقل التي  يستخدمها الناس  للوصول إلى بدايات ونهايات خطوط الباص السريع.. فكيف سيصل الركاب إلى بدايات خطوط الباص وكيف سيستكملون رحلاتهم وهل هناك مواقف مجهزة لاستيعاب  عشرات آلاف السيارات عند نهايات الخط، وما الجدوى الاقتصادية لأي شخص يترك سيارته الخاصة ويدفع بضعة دنانير للمواقف من أجل أن يستخدم الباص السريع لبضعة كيلومترات أو أقل.
الخشية أن يكون الباص السريع هو الوحيد بين كل وسائط المواصلات والنقل الذي ما يزال ملتزما بالحكمة التقليدية القائلة "لا تسرع ...الموت أسرع".