لا تعصبوا.. فكِّروا

لعل أخطر ما تتعرض له الأديان في هذا العصر، حلول الحكم الديمقراطي محل الحكم الديني، وحقوق الإنسان محل حقوق الأديان. تلكم فيما أعتقد هي المشكلة، أو المصدر الخفي أو الدفين في أعماق النفوس، للأزمة والإرهاب.اضافة اعلان
وأزعم أن الإسلاميين والإسلامويين يتحدثون عن ذلك في سرّهم، ولصده ومنعه ليل نهار يعلمون. ولعل البيان أو التعليق الفوري العنيف الذي صدر عن أحد النواب دليل عليه، الذي ما ترك فئة غيرهم في المجتمع إلا وأدانها واتهم بعضها بالمثلية. وهي تهمة صاعقة في مجتمع معظمه مسلم وإسلامي، نتيجة خسارة الجماعة الانتخابات في نقابة المهندسين.
هل كانت خسارتهم هذه مفيدة لمعرفة ما يدور في تلك الأعماق؟ هل تغيروا وقبلوا الديمقراطية منهجاً نهائياً لا رجعة عنه كما يتظاهرون؟ يبدو أن بيان النائب يثبت العكس بسكوتهم الأولي عليه، وعدم إدانته والاعتذار عنه فوراً وحتى فصل النائب من الجماعة والحزب لإثبات حسن النية، وإلا فإن التغير والقبول مجرد تكتيك لا تحوُّلا أو استراتيجية وبخاصة عند الخاصة. ويتهم الإسلامي المنفرد المهندس ليث شبيلات، الإسلاميين، بأنهم أعداء أنفسهم حين ذكر "أن العدو الأول لهم من داخلهم، ومن داخل نفوسهم ومن تصرفاتهم المجانبة لمبادئهم السمحة".
وأتوقف هنا عند عبارة "مبادئهم السمحة" التي جانبوها، كما يذكر المهندس ليث شبيلات، فأسأل: لو كانت مبادئهم سمحة هل كان يصدر مثل هذا البيان عن أحدهم؟ إن سكوتهم الأولي عليه لا ينبئ عن ذلك. وأنا أتكلم هنا عن مبادئهم لا عن مبادئ الإسلام التي يعنيها السيد شبيلات، عن مبادئهم التي بها يعملون، وليس عن مبادئهم التي يرفعون. لو كانت مبادئهم سمحة لقام مرشحهم الخاسر وألقى كلمة صادقة رحب فيها بالنقيب الجديد وزملائه وعن احترامه لنتائج الانتخابات، وعن استعداده وفريقه للتعاون البناء معهم لما فيه مصلحة النقابة والوطن، ولصافحهم واحداً واحداً بعد ذلك، ولكنه لم يفعل. لقد منعته مبادئه الدفينة من ذلك، فأين السماحة فيها؟.
على الرغم من النزاعات العديدة التي نشبت عبر القرون إلى اليوم، لم يستطع المسلمون -دولاً وشعوباً- عقد مؤتمر وستفاليا إسلامي ينهي العداء الديني والمذهبي، ويلتزم المؤتمرون فيه بالتسامح الديني والتعددية وحرية التعبير.. كالذي عقدته دول أوروبا المسيحية في وستفاليا سنة 1648 بعد حروب دينية متواصلة امتدت نحو قرنين، أكلت الأخضر واليابس، ودمرت ألمانيا في حرب الثلاثين سنة الأوروبية، كما تدمر حرب السنوات السبع الإسلامية العراق وسورية وليبيا واليمن.. الآن. إننا نبعد عن عقد مثل هذا المؤتمر أكثر من قرنين، فقد عقدته أوروبا سنة 1648 ونحن الآن في سنة 1439 .
إذا كنا بحاجة إلى قرنين لعقد مؤتمر وستفاليا الإسلامي، فإننا قد نحتاج إلى خمسة قرون لدخول القرن الحادي والعشرين بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. دعكم من معاصرتنا بقية العالم في التكنولوجيا الاستهلاكية في هذا القرن، فأنا أتحدث عن الأمية والجهل والتخلف.
فكروا في العقلية الثاوية؛ وراءها تجدون الثأر والوأد... أما إذا أردتم الحقيقة عارية، فاعقدوا مقارنة بين أي قرية أو مدينة مسلمة: عربية أو غير عربية، وأي قرية أو مدينة غربية أو يابانية.. (ولا أقول إسرائيلية) فرداً فرداً، وأسرة أسرة، أو قيماً قيماً، أو ثقافة ثقافة، أو إنتاجاً إنتاجاً.
********
دائماً أكتشف أن الناس يعرفون أكثر مني، فهل -يا ترى- لديهم مثل هذا الشعور نحوي؟