لا تغيير على قواعد اللعبة السياسية

 

ليس سهلاً اختراق الطبقة السياسية الحاكمة والتأثير عليها، لتغيير قواعد اللعبة السياسية، فهي تعرف مصالحها جيدا، وليس في تفكيرها توسيع قاعدة المشاركة وتنويعها، بل على العكس، تسعى لتضييقها تحت حجج وذرائع وفزعات واهية.

اضافة اعلان

الكيفية التي جرى التعامل بها مع قانون الانتخاب، دليل جديد على الحاجة للاستحواذ والتفرد، فجاء القانون الجديد، ليكرس مثالب القانون القديم ويزيد عليها.

النزعة الانعزالية، والتكتم الذي جرى في التعامل مع أهم قوانين الإصلاح والديمقراطية، تعكسان رهبة من الانفتاح على الآخر ومحاورته، وتقديم "تنازلات" ولو محدودة له، تعزز من الثقة العامة والشعبية في القانون والعملية الانتخابية. نحن لا ندعو إلى تغيير درامي في القواعد والأسس الناظمة للعملية السياسية الداخلية، التي يشكل البرلمان ميدانها الرئيسي، وقد تؤدي الى هزات سياسية واجتماعية، لا قدر الله، بل على العكس تماما، ندعو إلى الحرص الشديد على المسار السلمي التدريجي، الذي يقود لإحداث تحولات في طريقة إدارة الدولة، وتجديد أساليب الحكم، لبناء الدولة المدنية العصرية الحديثة، التي تقوم على المواطنة وسيادة القانون العادل والمؤسسات الدستورية الفاعلة.

نتفهم الظروف الإقليمية وانعكاساتها، لكننا نرى أن توسيع قاعدة الحكم وإشراك تيارات سياسية واجتماعية جديدة، تساعد على تحصين الدولة والمجتمع وتعزيز تماسكه ووحدته، لمجابهة الضغوط الخارجية وتعزيز المناعة المجتمعية من مظاهر وظواهر التفرقة والعنف والصخب والاحتقان.

التمسك بقانون الصوت الواحد بالشكل والمضمون الذي أعلن عنه يعني شيئا واحدا هو رفض أي تعديل أو تغير على أسس المعادلة الداخلية، ولضمان استمرارية هيمنة السلطة التنفيذية وتغولها على السلطات الدستورية الأخرى، وتفردها في إدارة شؤون البلاد والعباد.

القانون الجديد سيكفل للسلطة التنفيذية وجودا قويا وكاسحا لنواب محافظين مستقلين، كما كان عليه الحال في البرلمان السابق، وحضورا لتيار حزبي محافظ أيضا، وأعني حزب جبهة العمل الاسلامي.

وستعود اللعبة إلى قواعدها القديمة: حالة استقطاب بين تيارين محافظين (الحكومة والإخوان)، وستلجأ الحكومات إلى التذرع بخطر الإسلاميين لتبرر سلوكها وتفردها في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، وهكذا لن نشهد تغييرا في السياسات أو في السلوك.

في ظل هكذا معادلة ومعطيات، سيشل دور مجلس النواب وسيغدو ظلا ملحقا بالحكومات، مهما كانت النوايا، ومهما سمعنا من معسول الكلام.

الحرص على برلمان فاعل يقوم بواجباته الدستورية، كما نسمع، دعوات ذر للرماد في العيون.

فمن يحرص على برلمان فاعل ومستقل، يسعى أولا إلى وضع أسس وقواعد للعملية الانتخابية، تساعد على تمثيل أدق لمكونات المجتمع، وتفتح آفاقا للتيارات السياسية والاجتماعية الصاعدة لتشق طريقها إلى سلطة الرقابة والتشريع والتمثيل.

قد نشهد انتخابات بلا تدخلات فظة ولا تزوير، لكننا لن نشهد مجلسا نيابيا يمثل حقيقة التركيبة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع. ولن تجد قطاعات مجتمعية واسعة من يمثلها تحت قبة البرلمان، لأن القانون الجديد، يضع الناخب أمام مسارات وخيارات محددة معروفة النتائج مسبقا.