لا تهشموا الصورة؟

اليوم تقدم الحكومة نفسها للنواب، من خلال بيانها الوزاري الذي ستطلب الثقة على أساسه، وايضا اعتبارا من الأسبوع المقبل يقدم النواب أنفسهم للراي العام والشارع من خلال مناقشتهم لما ستقدمه الحكومة، وطريقة تعاملهم معها.اضافة اعلان
الحكومة من جهتها استبقَت بيان الثقة بعقد لقاءات تعريفية مع أغلب النواب، وفرشت الأرض وفتحت الباب لتعاون أوسع وأشمل وعلاقات رطبة وعميقة مع المجلس النيابي كسلطة تشريعية تعتبر من أهم السلطات في البلاد، وفق النص الدستوري الذي يعتبرها سلطة متقدمة، فالحكم في الأردن وفق الدستور نيابي ملكي وراثي.
بطبيعة الحال، فإن الأمل يحدونا بأن لا يكون ما يجري بين السلطتين التشريعية والتنفيذية عبارة عن شهر عسل، ومن ثم يمضي كلٌ إلى حيه، وأن لا تكون علاقة الترطيب المرصودة آنيا نابعة من رغبة الحصول على الثقة وكفى، وأن تبقى وتنعكس لاحقا علاقة مريحة بين السلطتين بحيث لا تتغول سلطة على أخرى، وأن لا تحاول الحكومة وضع المجلس النيابي تحت جناحيها، وأن لا يحاول النواب بالمقابل التغول على الحكومة ووضع  العصي في دواليبها، وإنما نطمح بأن يذهب كل طرف للقيام بدوره الذي نص عليه الدستور، بحيث يكون المجلس قوة رقابية وتشريعية حقيقية، وأن تذهب الحكومة لتنفيذ سياساتها الموكلة إليها.
وبالتوازي مع فتح الحكومة لخطوط تواصل مع النواب، فإنها ذهبت لتبشرنا عن طريق بالونات اختبار بصعوبة المرحلة المقبلة، وتدني المساعدات والمنح المقدمة، وبتنا نسمع عن شروط جديدة للصندوق الدولي، تتعلق برفع أسعار سلع ارتكازية تهم المواطن، ولا يمكن الاستغناء عنها.
اليوم ستقول الحكومة للنواب وللرأي العام ولجمهور المراقبين والمتابعين ولقوى المجتمع المدني كيف ستعالج مشاكلنا الاقتصادية والمديونية، والفقر والبطالة، وعليها أيضا أن تقدم رؤى لمعالجة كل ذاك متبوعة بجداول زمنية واضحة وحلول متطورة ومبتكرة، لا تقوم على جيب المواطن.
 إن ارتكان الحكومة على متوالية رفع الأسعار، ومواصلة مد اليد داخل جيب المواطن الذي لم يعد في جيبه ما يمكن تقديمه سيضعها (الحكومة) من جهة والنواب من جهة ثانية، أمام رفض شعبي سيتنامى شيئا فشيئا، سيكون ضحيته الأولى مجلس النواب باعتباره يمثل الشعب ويتوجب عليه الدفاع عن مصالحه وعن لقمة عيشه، ولاحقا الحكومة.
الحكومة عليها أن تلحظ أهمية عدم وضع المجلس النيابي تحت الاختبار من دورته الأولى، وتتعاون بحيث تترك للمجلس النيابي متسعا وممرا يمكن من خلاله الحفاظ على صورته، فالرأي العام بات أكثر مزاجية من ذي قبل، ولا يرحم، ولم يعد يؤمن كثيرا بفكرة منح الجديد فرصة، فالخطأ بات عنده لا يغتفر، إذ إن تلعثما أو خطأ في لفظ كلمة الموكولة أثناء تأدية القسم الدستوري للنواب لاقى نقدا من ناس وتعليقات لا متناهية حتى اليوم، فما بالكم لو أن الموضوع تعلق بلقمة عيش المواطن ومواصلة متوالية رفع الأسعار، والتي بات المواطن حساسا منها، ومصابا تجاهها بفيروس شديد الفتك.
الأكيد أن الحكومة ستحصل على ثقة مريحة، وهي مهدت لهذا الأمر منذ اليوم الأول لتشكيلها، وفتحت خطوطا واقامت جسورا، وجاملت وتحملت، ولكن عليها أن تعي أنها ولو حصلت على الثقة، وذهبت باتجاه تنفيذ ما أطلقته من بالونات اختبار سابقة حول قرارات صعبة، فإن ردة فعل الناس ستكون رفضا للطرفين (الحكومة والنواب) وليس لطرف واحد، فالشأن الاقتصادي سيف ضاغط، وإعادة الكلام عن قرارات صعبة ستنعكس على مداخيل المواطن المتآكلة أصلا وستكون ردة  الفعل صعبة.
لا شك ان الظرف الاقتصادي صعب ولا شك أن المديونية يتوجب خفضها، ولا شك أن الحكومة عليها مسؤوليات مضاعفة، ولكن الأمر الأوضح من كل ذاك أن المواطن بات لا يحتمل موجة جديدة من الرفع، وأن الحل يجب أن يكون بعيدا عن جيبه في كل الأحوال، وعلى الحكومة البحث عن سبل أخرى لتحقيق ذلك ووضع جداول زمنية للتنفيذ، فوعود الهواء باتت لا تقنع أحدا.